وقال الزمخشري : فإن قلت : هلا قيل : وما تضرعوا (أو) (١) فما يستكينون.
قلت : لأن المعنى محناهم فما وجدت منهم عقيب المحنة استكانة ، وما من عادة هؤلاء أن يستكينوا ويتضرعوا حتى يفتح عليهم باب العذاب الشديد (٢).
فظاهر هذا أن (حتى) غاية لنفي الاستكانة والتضرع (٣). ومعنى الاستكانة طلب السكون ، أي : ما خضعوا وما ذلوا إلى ربهم ، وما تضرعوا بل مضوا على تمردهم.
قوله : (حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ.) قرى «فتحنا» بالتشديد (٤).
قال ابن عباس ومجاهد : يعني القتل يوم بدر. وقيل : الموت وقيل : قيام الساعة (٥). وقيل : الجوع. (إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) آيسون من كل خير. وقرأ السلمي : «مبلسون» ـ بفتح اللام (٦) ـ من أبلسه ، أي : أدخله في الإبلاس.
قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) الآية.
العطف لا يحسن إلا مع المجانسة ، فأي مناسبة بين قوله : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) وبين ما قبله؟
والجواب : كأنه تعالى لما بين مبالغة الكفار في الإعراض عن سماع الأدلة والاعتبار ، وتأمل الحقائق قال للمؤمنين : هو الذي أعطاكم هذه الأشياء وو فقكم لها تنبيها على أن من لم يعمل هذه الأعضاء فيما خلقت له فهو بمنزلة عادمها (٧) ، لقوله : (فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ)(٨)» (٩) وأفرد السمع والمراد الأسماع ثم قال : (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ).
قال أبو مسلم : وليس المراد أن لهم شكرا وإن قل ، لكنه كما يقال للكفور والجاحد للنعمة : ما أقل شكر فلان (١٠).
ثم قال : (وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ) أي : خلقكم ، قال أبو مسلم : ويحتمل بسطكم (١١) فيها ذرية بعضكم من بعض حتى كثرتم كقوله (١٢) : (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ)(١٣) أي : هو الذي جعلكم في الأرض متناسلين ، ويحشركم يوم القيامة إلى دار لا حاكم فيها سواه ، فجعل حشرهم إلى ذلك الموضع حشرا إليه لا بمعنى المكان (١٤). ثم قال : (وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) أي : نعمة الحياة وإن كانت من أعظم النعم فهي منقطعة
__________________
(١) أو : تكملة من الكشف.
(٢) الكشاف ٣ / ٥٣ ـ ٥٤.
(٣) والتضرع : سقط من ب.
(٤) الكشاف ٣ / ٥٤.
(٥) انظر البغوي ٦ / ٣٣.
(٦) المختصر (٩٨) ، البحر المحيط ٦ / ٤١٦.
(٧) في ب : دمها. وهو تحريف.
(٨) [الأحقاف : ٢٦].
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١١٥.
(١٠) المرجع السابق.
(١١) في ب : منشئكم.
(١٢) في ب : لقوله.
(١٣) [الإسراء : ٣].
(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١١٥.