سمي وسعا ، لأنه يتسع عليه فعله ، ولا يصعب ولا يضيق ، فبيّن أن أولئك المخلصين لم يكلفوا أكثر مما عملوا. قال مقاتل : من لم يستطع القيام فليصلّ قاعدا ، ومن لم يستطع الجلوس فليومىء إيماء ، ومن لم يستطع الصوم فليفطر (١).
قوله : (وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِ) «ينطق» صفة ل «كتاب» و «بالحقّ» يجوز أن يتعلق ب «ينطق» ، وأن يتعلق بمحذوف حالا من فاعله. أي : ينطق ملتبسا بالحق ، ونطيره (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ)(٢). فشبّه الكتاب (٣) بمن يصدر عنه البيان ، فإن الكتاب لا ينطق لكنه يعرب بما فيه كما يعرب وينطق الناطق إذا كان محقّا. فإن قيل : هؤلاء الذين يعرض عليهم ذلك الكتاب ، إما أن يكونوا محيلين الكذب على الله ، أو مجوزين ذلك عليه ، فإن أحالوه عليه ، فإنهم يصدقونه في كل ما يقول سواء وجد الكتاب أو لم يوجد ، وإن جوزوه عليه لم يحصل لهم بذلك الكتاب يقين ، لتجويزهم أنه ـ سبحانه ـ كتب فيه خلاف ما حصل ، وعلى التقديرين لا فائدة في ذلك الكتاب. فالجواب : يفعل الله ما يشاء ، وعلى أنه لا يبعد أن يكون ذلك مصلحة للمكلفين من الملائكة (٤).
قوله : (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) لا ينقص من حسناتهم ، ولا يزاد على سيئاتهم ونظيره : (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً)(٥).
قالت المعتزلة (٦) : الظلم إمّا أن يكون بالزيادة في العقاب أو بالنقصان من الثواب ، أو بأن يعذب على ما لم يعمل أو بأن يكلفهم (ما لا يطيقون) (٧) فتكون الآية دالة على كون العبد موجدا لفعله ، وإلا لكان تعذيبه عليه ظلما ، ويدلّ على أنه ـ سبحانه ـ لا يكلف ما لا يطاق.
وأجيب بأنه لمّا كلف أبا لهب أن يؤمن (والإيمان يقتضي تصديق الله في كل ما أخبر به ، ومما أخبر أنّ أبا لهب لا يؤمن) (٨) فقد كلّفه (بأن يؤمن) (٩) بأن لا يؤمن فيلزمكم (كل ما ذكرتموه (١٠))(١١).
قوله : (بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ) أي : في غفلة وجهالة ، يعني الكفار (١٢) في غفلة. (مِنْ هذا) أي : القرآن ، أي (١٣) من هذا الذي بيّناه في القرآن ، أو من الكتاب الذي ينطق بالحق
__________________
(١) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٩.
(٢) [الجاثية : ٢٩].
(٣) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٩ ـ ١١٠.
(٤) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٩ ـ ١١٠.
(٥) [الكهف : ٤٩].
(٦) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١١٠.
(٧) ما لا يطيقون : تكملة من الفخر الرازي.
(٨) ما بين القوسين سقط من الأصل.
(٩) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٠) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ١١٠.
(١١) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.
(١٢) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١١٠.
(١٣) في ب : أو.