والوجه في إنعامه علينا بذلك أنه جعلها موضعا لأرزاقنا بإنزال الماء منها ، وجعلها مقرا للملائكة ، ولأنها موضع الثواب ، ومكان إرسال الأنبياء ونزول الوحي (١).
قوله : (وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ) أي : بل كنا لهم حافظين من أن تسقط عليهم الطرائق السبع فتهلكهم ، وهذا قول سفيان بن عيينة ، وهو كقوله تعالى (٢) : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا)(٣) ، وقوله : (وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ)(٤)(٥) ، وقال الحسن : إنا خلقناها فوقهم (٦) ليدل عليهم بالأرزاق والبركات منها (٧).
وقيل : خلقنا هذه الأشياء دلالة (٨) على كمال قدرتنا ، ثم بيّن كمال العلم بقوله : (وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ) يعني : عن أعمالهم وأقوالهم وضمائرهم وذلك يفيد نهاية الزجر (٩).
وقيل : وما كنا عن خلق السموات غافلين بل نحن لها حافظين لئلا تخرج عن التقدير الذي أردناها عليه كقوله تعالى : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ)(١٠)(١١).
واعلم أن هذه الآيات (١٢) دالة على مسائل :
منها : أنها تدل على وجود الصانع ، فإن انقلاب هذه الأجسام من صفة إلى صفة أخرى تضاد الأولى مع إمكان بقائها على الصفة الأولى يدل على أنه لا بد من مغير.
ومنها : أنها تدل على فساد القول بالطبيعة ، فإن شيئا من تلك الصفات لو حصلت بالطبيعة لوجب بقاؤها ، وعدم تغيرها ، ولو قيل : إنما تغيرت تلك الصفات لتغير تلك الطبيعة افتقرت تلك الطبيعة إلى خالق وموجد.
ومنها : أنها تدل على أنّ المدبر قادر عالم ، لأنّ الجاهل لا يصدر عنه هذه الأفعال العجيبة.
ومنها : أنها تدل على أنه عالم بكل المعلومات قادر على كل الممكنات.
ومنها : أنها تدل على جواز الحشر والنشر بصريح الآية ، ولأنّ الفاعل لما كان قادرا على كل الممكنات وعالما بكل المعلومات وجب أن يكون قادرا على إعادة التركيب إلى تلك الأجزاء كما كانت.
__________________
(١) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ٨٨.
(٢) تعالى : سقط من ب.
(٣) [فاطر : ٤١].
(٤) [الحج : ٦٥].
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٨٨.
(٦) في الأصل : خلقكم.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٨٨.
(٨) في ب : دليلا.
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٨٨.
(١٠) من قوله تعالى : «الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ» [الملك : ٣].
(١١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٨٨.
(١٢) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٨٨ ـ ٨٩.