القرآن المشار إليه إنما أنزل بعد إبراهيم بمدد طوال ، فلذلك (١) ضعف قوله.
وقوله : إلا بتقدير محذوف الذي ينبغي أن يقدر : وسميتهم في هذا القرآن المسلمين وقال أبو البقاء : قيل : الضمير ل «إبراهيم» فعلى هذا الوجه يكون قوله «وفي هذا» أي : وفي هذا القرآن (٢) سبب تسميتهم وهو قول إبراهيم : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ)(٣) ، فاستجاب الله له ، وجعلها أمة محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ.
والثاني : أن الضمير يعود على الله تعالى (٤) ، ويدلّ له قراءة أبي «الله سماكم» (٥) بصريح الجلالة ، أي سماكم في الكتب السالفة وفي هذا القرآن الكريم أيضا. وهو مرويّ عن ابن عباس ويؤيده قوله: (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ). فبيّن أنه سمّاهم بذلك لهذا الغرض ، وهذا لا يليق إلا بالله (٦).
فقوله : (لِيَكُونَ الرَّسُولُ) متعلق ب «سمّاكم» (٧) فبيّن فضلكم على سائر الأمم ، وسماكم بهذا الاسم لأجل الشهادة المذكورة ، فلما خصكم بهذه الكرامة فاعبدوه ولا تردوا تكاليفه. وهذا هو الموجب الثالث لقبول التكليف ، وتقدم الكلام في أنه كيف يكون الرسول شهيدا علينا وكيف تكون أمته شهداء على الناس في سورة البقرة (٨). وأما ما يجري مجرى المؤكد لما مضى فهو قوله : (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) فهي المفروضات ، لأنها المعهودة. واعتصموا بحبل الله أي بدلائله العقلية والسمعية. قال ابن عباس : سلوا الله العصمة عن كل المحرمات (٩). وقيل : ثقوا بالله وتوكلوا عليه (١٠). وقال الحسن : تمسكوا بدين الله (١١)(هُوَ مَوْلاكُمْ) سيدكم والمتصرف فيكم وناصركم وحافظكم. (فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) فكأنه تعالى قال : أنا مولاكم بل أنا ناصركم. وحسن حذف (١٢) المخصوص بالمدح وقوع الثاني رأس آية وفاصلة.
فصل
احتجت المعتزلة بهذه الآية من وجوه (١٣) :
__________________
(١) في ب : فكذلك. وهو تحريف.
(٢) التبيان ٢ / ٩٤٩.
(٣) [البقرة : ١٢٨].
(٤) وهو قول ابن عباس وقتادة ومجاهد. الكشاف ٣ / ٤١ ، تفسير ابن عطية ٣٢٧١٠ ، التبيان ٢ / ٩٤٩ ، البحر المحيط ٦ / ٣٩١.
(٥) المختصر (٩٧) ، البحر المحيط ٦ / ٣٩١.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٧٥.
(٧) انظر التبيان ٢ / ٩٤٩.
(٨) عند قوله تعالى : «وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً»[البقرة : ١٤٣]. انظر اللباب ١ / ٢٩٢ ـ ٢٩٣ ، والفخر الرازي ٢٣ / ٧٥.
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٧٥.
(١٠) انظر البغوي ٥ / ٦١٧.
(١١) المرجع السابق.
(١٢) في ب : هذا. وهو تحريف.
(١٣) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٧٥ ـ ٧٦.