(إِلَّا وُسْعَها)(١)(وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(٢) و (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)(٣). فكيف يقول : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ) على وجه لا يقدرون عليه (٤)؟ وقال أكثر المفسرين: حق الجهاد أن يكون بنية صادقة (٥). وقيل : يفعله عبادة لا رغبة في الدنيا من حيث الاسم والغنيمة (٦). وقيل : يجاهدوا (٧) آخرا كما جاهدوا أولا ، فقد كان جهادهم في الأول أقوى ، وكانوا فيه أثبت نحو صنعهم يوم بدر ، روي عن عمر أنه قال لعبد الرحمن بن عوف (٨) : أما علمت أنا كنا نقرأ «وجاهدوا في الله حق جهاده في آخر الزمان كما جاهدتم في أوله» قال عبد الرحمن : ومتى ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال : إذا كانت بنو أمية الأمراء ، وبنو المغيرة الوزراء. واعلم أنه يبعد أن تكون هذه الزيادة من القرآن ، وإلا لنقل كنقل نظائره ، ولعله إن صح ذلك عن الرسول فإنما قاله كالتفسير للآية.
وروي عن ابن عباس أنه قرأ : «وجاهدوا في الله حق جهاده كما جاهدتم أول مرة» فقال عمر ـ رضي الله عنه ـ : من الذي أمرنا بجهاده؟ فقال : قبيلتان من قريش مخزوم وعبد شمس ، فقال : صدقت. وقيل : معنى الآية : استفرغوا وسعكم في إحياء دين الله ، وإقامة حقوقه بالحرب واليد واللسان ، وجميع ما يمكن ، وردوا أنفسكم عن الهوى والميل وقال ابن المبارك : هو مجاهدة النفس والهوى ، وهو الجهاد الأكبر [وهو حق الجهاد وقد روي أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لما رجع من غزوة تبوك قال : «رجعنا من الجهاد والأصغر إلى الجهاد الأكبر» (٩)](١٠) وأراد بالجهاد الأصغر الجهاد مع الكفار ، وبالجهاد الأكبر الجهاد مع النفس. وأما بيان (١١) ما يوجب قبول هذه الأوامر ، فهو ثلاثة :
الأول : قوله : (هُوَ اجْتَباكُمْ) اختاركم لدينه ، وهذه من أعظم التشريفات ، فأي رتبة أعلى من هذا ، وأي سعادة فوق هذا. ثم قال : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وهو كالجواب عن سؤال ، وهو أن التكليف وإن كان تشريفا لكنه شاق على النفس؟ أجاب بعضهم بقوله : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ، [روي أن أبا هريرة ـ رضي
__________________
(١) [البقرة : ٢٨٦].
(٢) [٧٨ من السورة نفسها].
(٣) [البقرة : ١٨٥].
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٧٣.
(٥) انظر البغوي ٥ / ٦١٥.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٧٣.
(٧) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٧٣.
(٨) هو عبد الرحمن بن عوف بن عبد الحارث بن زهرة ، أبو محمد المدني ، شهد بدرا ، والمشاهد ، وهو أحد العشرة ، وهاجر الهجرتين ، وأحد الستة ، أخذ عنه إبراهيم ، وحميد ، وأبو سلمة ، وغيرهم ، ومات سنة ٣٢ ه. تهذيب التهذيب ٦ / ٢٤٤ ـ ٢٤٦.
(٩) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ٧٣.
(١٠) ما بين القوسين سقط من ب.
(١١) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٧٤.