وقد اعتبره الله تعالى ، فقال : (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ) (سبأ : ١٣) ، حيث كان فعلهم بزمان.
وقال : (وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (النحل : ٥٠) ، حيث يأتون بما يؤمرون في طرفة عين ، فينقلون (١) المدن بأسرع من أن يقوم القائم من مكانه. وقال تعالى : (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) (يس : ٧١) ، (وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) (يس : ٣٥) ، فإنّ خلق الأنعام والثمار والزروع بامتداد ، وقال : (كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ) (الفيل : ١) ، ([أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ]) (٢) بِعادٍ (الفجر : ٦) ، ([وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ]) (٢) فَعَلْنا بِهِمْ (إبراهيم : ٤٥) ، فإنها إهلاكات وقعت من غير بطء.
وقال : (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (البقرة : ٢٥) ، حيث كان المقصود المثابرة عليها ، لا الاتيان بها مرة. وقال : (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) (الحج : ٧٧) ، بمعنى سارعوا. كما قال : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) (البقرة : ١٤٨). وقال : (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ) (المؤمنون : ٤) ؛ أي يأتون بها على سرعة من غير توان في دفع حاجة الفقير ، فهذا هو الفصاحة في اختيار الأحسن في كل موضع.
٤ ـ / ٨٤ ومن ذلك «القعود» و «الجلوس» [٢٦٤ / ب]. إن القعود لا يكون معه لبثة (٣) ، والجلوس لا يعتبر فيه ذلك ؛ ولهذا تقول : «قواعد البيت» ، ولا تقول : «جوالسه» ؛ لأنّ مقصودك ما فيه ثبات ؛ والقاف والعين والدال كيف تقلّبت دلّت على اللّبث ؛ والقعدة بقاء على حالة ، والدّقعاء للتراب الكثير الذي يبقى في مسيل الماء وله لبث طويل ؛ وأما الجيم واللام والسين فهي للحركة ، منه السجلّ للكتاب يطوى له ولا يثبت عنده ، ولهذا قالوا في قعد : يقعد بضم الوسط ، وقالوا : جلس يجلس بكسره ؛ فاختاروا الثقيل لما هو أثبت.
إذا ثبت هذا فنقول : قال الله تعالى (مَقاعِدَ لِلْقِتالِ) (آل عمران : ١٢١) ، فإنّ الثبات هو المقصود. وقال : (اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ) (التوبة : ٤٦) ، أي لا زوال لكم ،
__________________
(١) في المخطوطة (فيفعلون).
(٢) ليست في المخطوطة.
(٣) في المخطوطة (لبث).