يكون معطوفا على ما قبله بها وإن كان مضمرا. وقال تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) (الفرقان : ٣٢) ، ثم قال : (كَذلِكَ) ، أي كذلك فعلنا ونفعله من التنزيل ، وهو كثير».
وقيل : إنها إذا كانت بمعنى «لا» فإنها تدخل على جملة محذوفة ، فيها نفي لما قبلها ، والتقدير : ليس الأمر كذلك (١) [كقوله تعالى : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) (مريم : ٨١) وليس الأمر كذلك] (١) ؛ وهي على هذا حرف دال على هذا المعنى (١) [لا موضع لها] (١) ، ولا تستعمل عند خلاف النحويين بهذا المعنى إلا في الوقف عليها ، ويكون زجرا وردّا أو إنكارا لما قبلها ؛ وهذا مذهب الخليل وسيبويه والأخفش والمبرد والزجاج وغيرهم (٥) ؛ لأن فيها معنى التهديد [٣٠٣ / أ] والوعيد ؛ ولذلك لم تقع في القرآن إلا في سورة مكية ، لأن التهديد والوعيد أكثر ما نزل بمكة ؛ لأن أكثر عتوّ المشركين وتجبّرهم بمكة ، فإذا رأيت سورة فيها «كلاّ» ، فاعلم أنها مكية.
وتكون «كلاّ» بمعنى «حقا» عند الكسائي (٦) ، فيبتدأ بها لتأكيد ما بعدها ، فتكون في موضع المصدر ، ويكون موضعها نصبا على المصدر ، والعامل محذوف ، أي أحقّ ذلك حقا.
ولا تستعمل بهذا المعنى عند حذاق النحويين إلا إذا ابتدئ بها لتأكيد ما بعدها.
وتكون بمعنى «ألا» فيستفتح بها الكلام ، وهي على هذا حرف. وهذا مذهب أبي حاتم (٧) ؛ واستدل على أنها للاستفتاح أنه روى أن جبريل نزل على النبي صلىاللهعليهوسلم بخمس آيات من سورة العلق ، ولما قال : (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) (الآية : ٥) ، طوى النمط. فهو وقف صحيح ، ثم لما نزل بعد ذلك : (كَلاَّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى) (العلق : ٦) ، فدلّ على أن الابتداء ب «كلاّ» من طريق الوحي ، فهي في الابتداء بمعنى «ألا» عنده.
فقد حصل ل «كلاّ» معاني النفي في الوقف عليها ، و «حقّا» و «ألا» في الابتداء بها.
وجميع «كلاّ» في القرآن ثلاثة وثلاثون موضعا ، في خمس عشرة سورة ، ليس في النصف الأول من ذلك شيء.
__________________
(١) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.
(٥) انظر مغني اللبيب ١ / ١٨٨.
(٦) ذكر قوله ابن هشام في المغني ١ / ١٨٩.
(٧) هو سهل بن محمد السجستاني تقدم التعريف به في ١ / ٣٠٩. وانظر قوله في المغني ١ / ١٨٩.