أرسلهما (١) ما يفضي إليه حال فرعون ، لكن ورد اللفظ بصورة ما يختلج في نفس موسى وهارون من الرجاء والطمع ؛ فكأنه قال : انهضا إليه وقولا في نفوسكما ، لعلّه يتذكر أو يخشى.
ولما كان القرآن قد نزل بلغة العرب جاء على مذاهبهم في ذلك ، والعرب قد تخرج الكلام المتيقّن في صورة المشكوك ؛ لأغراض ، فتقول : لا تتعرض لما يسخطني ، فلعلك إن تفعل ذلك ستندم ؛ وإنما مراده أنه يندم لا محالة ، ولكنّه أخرجه مخرج الشك تحريرا للمعنى ، ومبالغة فيه ؛ أي أن هذا الأمر لو كان مشكوكا فيه لم يجب أن تتعرض له ؛ فكيف وهو كائن لا شك فيه! وبنحو من هذا فسّر الزجاج (٢) قوله تعالى : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) (الحجر : ٢). وأما قوله : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ) (غافر : ٣٦) ، فاطلاعه إلى الإله مستحيل ، فبجهله اعتقد في المستحيل الإمكان ؛ لأنه يعتقد في الإله الجسمية والمكان.
ونصّ ابن الدهّان (٣) في «لعل» جواز استعمالها في المستحيل ، محتجا بقوله : «لعل زمانا تولّى يعود». [٢٧٨ / أ] (وقال أيضا) (٤) : كلّ ما وقع في القرآن من «عسى» ، فاعلها الله تعالى ، فهي واجبة. وقال قوم : إلا في موضعين ، [قال تعالى] (٥) : (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَ) (التحريم : ٥) ، ولم يطلقهن ولم يبدل بهنّ. وقوله : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ) (الإسراء : ٨) ، وهذه في بني النّضير ، وقد سباهم النبي صلىاللهعليهوسلم وقتلهم وأبادهم (٦).
(وقال أيضا) (٤) : وهذا عندي متأوّل ، لأنّ الأوّل تقديره : «إن طلّقكن يبدله» وما
__________________
(١) في المخطوطة (حين إرسالهما).
(٢) انظر قوله في كتابه «معاني القرآن وإعرابه» ٣ / ١٧١ عند سورة الحجر.
(٣) هو سعيد بن المبارك بن علي تقدم التعريف به في ٢ / ٤٩٣ ، وعبارة المخطوطة (في «المغرب» على جواز ...) ، ولعله تصحيف لاسم كتابه «الغرة في شرح اللمع» لابن جني ذكره البغدادي في «هدية العارفين ١ / ٣٩١ ضمن مؤلفات ابن الدهان.
(٤) في المخطوطة (وقال ابن الدهان).
(٥) ليست في المخطوطة.
(٦) قال الشوكاني في تفسيره «فتح القدير» ٣ / ٢١٠ عند تفسير الآية من سورة الإسراء ما نصه (فجرى على بني قريظة والنضير وبني قينقاع وخيبر ما جرى من القتل والسبي والإجلاء وضرب الجزية على من بقي منهم).