نعم ، المؤمن عائش بين حالتي الخوف والرجاء ، فلا الخوف يؤيسه ولا الرجاء يغرّه ، بل هو ماض على بركة الله ورجاء رحمته الواسعة ، متحذّرا سخطه تعالى في جميع لحظات حياته. مادامت النفس تعمل في الانجراف به ، لو لا فضل الله على عباده المؤمنين.
وبعد فإنّ قوله تعالى : (أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ) يعني : حالة المؤمن طيلة حياته ، يعيش على رجاء ولا يأمن مكر الله ، حيث إنّ أعماله الّتي يقوم بها من حسنات ـ إذا لم يشبها سيّئات ـ فإنّها على حدّ مقتضيات للنيل من سعادة الحياة ، وليست عللا تامّة ـ على حدّ تعبيرهم ـ. فلا موجب للقطع بالمثوبة عليها ما دام الشيطان على رصد. إلّا من عصمه الله وعاش في كنفه تعالى حتّى توفّاه الله بسلام.
قال الفخر الرازي : ليس المراد أنّه تعالى شكّك عباده في حصول الغفران ، بل وصفهم بأنّهم سوف يردّون على الله خاشعين مستقصرين لأنفسهم في جنب الله ، خوف أن لم يعبدوه حقّ عبادته ولم يطيعوه حقّ طاعته ، فيقدمون على الله على طرفي خوف ورجاء. كما قال تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ)(١)(٢).
كلام عن الحبط والتكفير والموازنة (٣)
قوله تعالى : (فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ)
الإحباط : (٤) محق حسنة بسيّئة لا حقة إطلاقا ، سواء أكانتا متساويتين أم فضلت إحداهما على الاخرى ، وسواء أكانت الفاضلة هي الحسنة أم هي السيّئة المتأخّرة ، حتّى وإنّ سيّئة واحدة لا حقة لتبطل بها حسنات جسام.
__________________
(١) المؤمنون ٢٣ : ٦٠.
(٢) التفسير الكبير ٦ : ٣٩.
(٣) بحث استوفيناه في الجزء الثالث من التمهيد / ٣٣٢ ـ ٣٦٨ ، فجاء هنا مع بعض التعديل.
(٤) مأخوذ من «الحبط» ـ بفتحتين ـ وهو الفساد والهلاك. وأصله من حبط البعير ، إذا أكثر من أكل «الحندقوق» حتّى انتفخ بطنه وأفسد عليه الأكل. واسم هذا الداء «الحباط» ـ بالضمّ ـ. واستعمل في كلّ ما فسد وذهب أثره باطلا ، يقال : حبط دم القتيل إذا هدر. أو حبط عمله إذا ذهب سدى. وحبط ماء البئر إذا غار فلم يعد.