التكفير (١) ـ عكس الإحباط ـ : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ)(٢).
الموازنة : (٣) أن يسقط الأقلّ بالأكثر حجما وقدرا ، ليبقى مقدار الفضل بينهما يثاب عليه أو يعاقب محضا.
وهي من المسائل ـ الكثيرة ـ الّتي اختلفنا فيها نحن ـ الإماميّة ـ مع أصحاب الاعتزال ، حيث أخذوا في اتّجاه معاكس لمقتضى العدل والحكمة في أفعاله تعالى ، كما نقضوا مذهبهم في كون المجازاة استحقاقا ، وما إلى ذلك من توال فاسدة حسبما نشير.
وقبل أن ننتقل إلى صلب البحث لا بدّ أن نتعرّف ـ إجماليّا ـ إلى مسائل هي ذات صلة بالموضوع :
الأولى : هل الجزاء على العمل استحقاق أم مواضعة ، أي مجرّد مواعدة (وعد بثواب ووعيد بعقاب)؟
الصحيح هو الأوّل ، في صورة ما إذا كان العمل صادرا عن طلب من المولى حتّى ولو كان متفضّلا على عبيده بالنعم الجسام ، لأنّ ذلك تفضّل محض ، ولا شيء يوازي التفضّل ، خصوصا إذا كان في التكليف مشقّة ، فإنّه ليس للمتفضّل أن يكلّف المتفضّل عليه بما يوقعه في مشقّة كثيرة ، بحجّة أنّه منعم عليه ، لو لا الالتزام على نفسه بمقابلة الأجر والثواب.
هذا ولا سيّما إذا قلنا بأنّ المثوبات ليست سوى تجسّدات ذاتيّة لنفس الأعمال تتجسّد إلى درجات ودركات ، والأعمال هي ـ بدورها ـ انعكاسات نفسيّة طيّبة أو خبيثة تتمرّن بالعمل ، وإن كانت ذات مرونة وقابلة للانعطاف والتبديل ، بالتربية والتدريب.
وعليه فالمحسن الممتثل لأوامر مولاه ، إنّما يستحقّ أجرا لذاته ، ولم يكن الوعد بالثواب سوى تأكيد ، وتعيين لمقداره لا لأصله.
وهكذا المسيء يستحقّ عقوبة لذاته وليس لمجرّد الوعيد ، ولعلّ استحقاق المسيء إجماعيّ ،
__________________
(١) مأخوذ من «الكفر» ـ بالفتح ـ وهو الستر والتغطية ، يقال : كفر درعه بثوبه ، إذا لبسه فوقها وغطّاها به. ومنه أطلق اسم الكفر ـ بالضمّ ـ على ضدّ الإيمان ، لأنّ الكافر قد غطّى فطرته بالإنكار.
(٢) هود ١١ : ١١٤.
(٣) بمعنى المقايسة ، فيقاس أحدهما بالآخر ليعرف الأثقل من الأخفّ.