يفعل في المستقبل كبيرة تحبط ثواب إيمانه (١)! وهذا لا يصحّ على مذهبنا في الموافاة.
قال : وإنّما ضمّ إلى صفة الإيمان غيره (٢) في اعتبار الرجاء للرحمة ، ترغيبا في كلّ خصلة من تلك الخصال ، لأنّها من علامات الفلاح. فأمّا الوعد ، فعلى كلّ واحدة منها إذا سلمت ممّا يبطلها.
[٢ / ٦٢٠٦] وقال الحسن : الرجاء والطمع ها هنا ، على الإيمان إذا سلم العمل.
وذكر الجبّائيّ : إنّ هذه الآية تدلّ على أنّه لا يجوز لأحد أن يشهد لنفسه بالجنّة ، لأن الرجاء لا يكون إلّا مع الشك ، وقد بيّن الله تعالى : أنّ صفة المؤمن الرجاء للرحمة ، لا القطع عليها لا محالة (٣).
قال أبو علي الطبرسيّ : قال الحسن : أراد به إيجاب الرجاء والطمع على المؤمنين ، لأنّ رجاء رحمة الله من أركان الدين ، واليأس من رحمته كفر ، كما قال تعالى : (لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ)(٤). والأمن من عذابه خسران ، كما قال : (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ)(٥). فمن الواجب على المؤمن أن لا ييأس من رحمته تعالى ، وأن لا يأمن من عقوبته.
قال : ويؤيّده قوله تعالى : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ)(٦). وقوله : (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ. تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً)(٧).
قال الطبرسيّ : وليس في الآية دلالة على أنّ من مات مصرّا على كبيرة ، لا يرجو رحمة الله. قال : وذلك لأمرين : أحدهما : أنّ دليل المفهوم غير صحيح عند أكثر المحصّلين. والآخر : أنّه قد يجتمع عندنا الإيمان والهجرة والجهاد ، مع ارتكاب الكبيرة ، ولا يخرج من هذه صفته عن تناول الآية (٨)!
__________________
صدق وإيقان ، لأنّ من لمس الحقّ بالعيان لا يمكنه النكران. إلّا إذا كان جحودا بعد استيقان. (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) (النمل ٢٧ : ١٤).
(١) سنتكلّم عن مسألة الإحباط ، وأن لا موضع لها عندنا ، بعد ضرورة الموافاة على الأعمال إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ. (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ).
(٢) وهي : الهجرة والجهاد في سبيل الله.
(٣) التبيان ٢ : ٢١٠ ـ ٢١١.
(٤) يوسف ١٢ : ٨٧.
(٥) الأعراف ٧ : ٩٩.
(٦) الزمر ٣٩ : ٩.
(٧) السجدة ٣٢ : ١٥ ـ ١٦.
(٨) مجمع البيان ٢ : ٧٧.