قوله : (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ) الكاف إما حال من ضمير المصدر المقدر ، وإما نعت لمصدر محذوف على حسب ما تقدم من الخلاف ، أي : ومثل ذلك الإنزال أنزلنا القرآن كله (آياتٍ بَيِّناتٍ)(١) ف (آياتٍ) حال.
قوله : (وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي) يجوز في «أن» ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها منصوبة المحل ، عطفا على مفعول (أَنْزَلْناهُ) ، أي (٢) : وأنزلنا أن الله يهدي من يريد ، أي : أنزلنا هداية الله لمن يريد هدايته (٣).
الثاني : أنها على حذف حرف الجر ، وذلك الحرف متعلق بمحذوف والتقدير (٤) : ولأن الله يهدي من يريد أنزلناه ، فيجيء في موضعها القولان المشهوران أفي محل نصب هي أم جر؟ وإلى هذا ذهب الزمخشري ، وقال في تقديره : ولأن الله يهدي به الذين يعلم أنهم يؤمنون أنزله كذلك مبينا (٥).
الثالث : أنها في محل رفع خبرا لمبتدأ مضمر تقديره : والأمر أن الله يهدي من يريد (٦).
فصل (٧)
قال أهل السنة : المراد من الهداية إما وضع الأدلة أو خلق المعرفة ، أما الأول فغير جائز ؛ لأنه تعالى فعل ذلك في حق كل المكلفين ، ولأن قوله : (يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ) دليل على أن الهداية غير واجبة عليه بل هي متعلقة بمشيئته سبحانه ، ووضع الأدلة عند الخصم واجب ، فيبقى أن المراد منه خلق المعرفة. قال القاضي عبد الجبار في الاعتذار : هذا (٨) يحتمل وجوها :
أحدها : يكلف من يريد لأن من كلف أحدا شيئا فقد وصفه له وبينه.
وثانيها : أن يكون المراد يهدي إلى الجنة والإنابة من يريد ممن آمن وعمل صالحا.
وثالثها : أن يكون المراد أن الله يلطف بمن يريد ممن علم أنه إذا هدي ثبت على إيمانه كقوله تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً)(٩). وهذا الوجه هو الذي أشار الحسن إليه بقوله : إن الله يهدي من قبل لا من لم (١٠) يقبل ، والوجهان الأولان ذكرهما أبو علي.
وأجيب عن الأول بأن الله تعالى ذكر ذلك بعد بيان الأدلة ، وعن الثاني ، من الشبهات فلا يجوز حمله على محض التكليف ، وأما الوجهان الأخيران فمدفوعان ،
__________________
(١) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٥٨.
(٢) أي : سقط من ب.
(٣) انظر التبيان ٢ / ٩٤٦.
(٤) والتقدير : سقط من ب.
(٥) الكشاف ٣ / ٢٨ ، وانظر أيضا التبيان ٢ / ٩٣٦. (١٠) لم : تكملة من الفخر الرازي.
(٦) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٥٨.
(٧) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٨.
(٨) في ب : هل. وهو تحريف.
(٩) [محمد : ١٧].
(١٠) لم : تكلمة من الفخر الرازي.