فصل (١)
المشهور أن معنى الآية : لا يحلف أولو الفضل ، فيكون «افتعال» من الألية.
قال أبو مسلم : وهذا ضعيف لوجهين :
أحدهما : أن ظاهر الآية على هذا التأويل يقتضي المنع عن الحلف على الإعطاء ، وهم أرادوا المنع على ترك الإعطاء ، فهذا المتأول قد أقام النفي مكان الإيجاب ، وجعل المنهي عنه مأمورا به.
الثاني : أنه قلما يوجد في الكلام «أفتعلت» مكان «أفعلت» (وإنما وجد مكان «فعلت»)(٢) وهنا (٣) آليت من الأليّة : «افتعلت» فلا يقال : أفعلت ، كما لا يقال من ألزمت التزمت ، ومن أعطيت اعتطيت. ثم قال في «يأتل» : إن أصله «يأتلي» (٤) ذهبت الياء للجزم لأنه نهي ، وهو من قولك : ما ألوت فلانا نصحا ، ولم آل في أمري جهدا ، أي : ما قصرت. ولا يأل ولا يأتل ولم يأل والمراد : لا تقصروا في أن تحسنوا إليهم ، ويوجد كثيرا «افتعلت» مكان «فعلت» (٥) ، تقول : كسبت واكتسبت ، وصنعت واصطنعت ، وهذا التأويل مروي عن أبي عبيدة. قال ابن الخطيب : «وهذا هو الصحيح دون الأول» (٦).
وأجاب الزجاج عن الأول بأن «لا» تحذف في اليمين كثيرا ، قال الله تعالى : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا)(٧) يعني : أن لا تبروا ، وقال امرؤ القيس :
٣٨٢٤ ـ فقلت يمين الله أبرح قاعدا (٨)
أي : لا أبرح.
وأجابوا عن السؤال الثاني أن جميع المفسرين الذين كانوا قبل أبي مسلم فسروا اللفظ باليمين ، وقول واحد منهم حجة في اللغة ، فكيف الكل؟ ويعضده قراءة الحسن : «ولا يتألّ» (٩).
فصل
قال المفسرون معناه : ولا يحلف (أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ) أي : أولوا الغنى ،
__________________
(١) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٧ ـ ١٨٨.
(٢) ما بين القوسين سقط من ب.
(٣) في ب : وهذا.
(٤) في ب : يأتل.
(٥) في ب : فعلت مكان فعلت. وهو تحريف ، وفي الأصل : فعلت مكان افتعلت.
(٦) الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٨.
(٧) [البقرة : ٢٢٤].
(٨) من بحر الطويل قاله امرؤ القيس ، وعجزه :
ولو قطّعوا رأسي لديك وأوصالي
وقد تقدم.
(٩) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٧ ـ ١٨٨.