الإفك (عَذابٌ عَظِيمٌ.) (وهذا زجر) (١) و «لو لا» هاهنا لامتناع الشيء لوجود غيره (٢) ويقال: أفاض في الحديث : اندفع وخاض. والمعنى : ولو أني قضيت أن أتفضل (٣) عليكم في الدنيا بالنعم التي من جملتها الإمهال ، وأترحّم عليكم في الآخرة بالعفو ، لعاجلتكم بالعقاب على ما خضتم فيه من حديث الإفك.
وقيل : المعنى : ولو لا فضل الله عليكم لمسّكم العذاب في الدّنيا والآخرة معا ، فيكون فيه تقديم وتأخير (٤). وهذا الفضل هو حكم الله لمن تاب.
وقال ابن عباس : المراد بالعذاب العظيم أي : عذاب لا انقطاع له. أي : في الآخرة لأنه ذكر عذاب الدنيا من قبل (٥) فقال : (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ)(٦) وقد أصابه ، فإنه جلد وحدّ (٧).
قوله تعالى : (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ)(١٥)
قوله : (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ). «إذ» منصوب ب «مسّكم» أو ب (أَفَضْتُمْ)(٨).
وقرأ العامة : «تلقّونه» (٩) والأصل : تتلقّونه ، فحذف إحدى التاءين ك «تنزل» (١٠) ونحوه ، ومعناه : يتلقّاه بعضكم من بعض.
قال الكلبي : وذلك أن الرجل منهم يلقى الرجل فيقول : بلغني كذا وكذا ، يتلقونه تلقيا (١١).
قال الزجاج : يلقيه بعضهم إلى بعض (١٢).
والبزّي (١٣) على أصله في أنه يشدّد التّاء وصلا (١٤) ، وتقدم تحقيقه في البقرة نحو (وَلا تَيَمَّمُوا)(١٥) وهو هناك سهل ، لأن ما قبله حرف لين بخلافه هنا (١٦).
__________________
(١) ما بين القوسين سقط من ب.
(٢) لأن (لو لا) إذا وليها جملة اسمية كانت لامتناع الشيء لوجود غيره.
(٣) في الأصل : الفضل.
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٠.
(٥) انظر البغوي ٦ / ٨٠.
(٦) من الآية (١١) من السورة نفسها.
(٧) انظر البغوي ٦ / ٨٠.
(٨) من الآية السابقة. انظر الكشاف ٣ / ٦٥ ، التبيان ٢ / ٩٦٧.
(٩) السبعة (٤٥٤).
(١٠) من قوله تعالى : «تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها» [القدر : ٤].
(١١) انظر البغوي ٦ / ٨١.
(١٢) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٨.
(١٣) هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن نافع بن أبي بزّة المكّي ، مقرىء مكة ، ومؤذن المسجد الحرام ، أستاذ محقق ضابط ، مات سنة ٢٥٠ ه. طبقات القراء ١ / ١١٩ ـ ١٢٠.
(١٤) السبعة ٤٥٤ ، الكشف ١ / ٣١٤ ـ ٣١٥ ، الإتحاف ٣٢٣.
(١٥) من قوله تعالى : «وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ»[البقرة : ٢٦٧].
(١٦) فقيل التاء في البقرة ألف (لا) ، وهنا قبلها ذال (إذ).