ـ بربك ـ هل كان معقولا أن ينجح الإسلام فى فطامهم عنها ، لو لم يتألفهم ويتلطف بهم ، إلى درجة أن يمتن عليهم بها أول الأمر ، كأنه يشاركهم فى شعورهم. وإلى حد أنه أبى أن يحرمها عليهم فى وقت استعدت فيه بعض الأفكار لتسمع كلمة تحريمه ، حين سألوه صلىاللهعليهوسلم : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ)؟.
أما الحكمة فى نسخ الحكم الأصعب بما هو أسهل منه ، فالتخفيف على الناس ؛ ترفيها عنهم ، وإظهار الفضل الله عليهم ورحمته بهم ، وفى ذلك إغراء لهم على المبالغة فى شكره وتمجيده ، وتحبيب لهم فيه وفى دينه.
وأما الحكمة فى نسخ الحكم بمساويه فى صعوبته أو سهولته ، فالابتلاء والاختيار ، ليظهر المؤمن فيفوز ، والمنافق فيهلك ليميز الله الخبيث من الطيب.
يبقى الكلام فى حكمة بقاء التلاوة مع نسخ الحكم ، وفى حكمة نسخ التلاوة مع بقاء الحكم.
أما حكمة بقاء التلاوة مع نسخ الحكم ؛ فتسجيل تلك الظاهرة الحكيمة ظاهرة سياسة الإسلام للناس ، حتى يشهدوا أنه هو الدين الحق ؛ وأن نبيه نبى الصدق ، وأن الله هو الحق المبين ، العليم الحكيم ، الرحمن الرحيم. يضاف إلى ذلك ما يكتسبونه من الثواب على هذه التلاوة ، ومن الاستمتاع بما حوته تلك الآيات المنسوخة من بلاغة ، ومن قيام معجزات بيانية أو علمية أو سياسية بها.
وأما نسخ التلاوة مع بقاء الحكم ، فحكمته تظهر فى كل آية بما يناسبها. وإنه لتبدو لنا حكمة رائعة فى مثال مشهور من هذا النوع.
ذلك أنه صح فى الرواية عن عمر بن الخطاب وأبى بن كعب أنهما قالا : كان فيما أنزل من القرآن. «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة». أى كان هذا النص آية تتلى ثم نسخت تلاوتها وبقى حكمها معمولا به إلى اليوم. والسر فى ذلك أنها كانت تتلى