من الأصل ، بسبب اختلاف اللغتين فى موقع استعمال الكلام فى المعانى المرادة إلفا واستحسانا.
أما المترجم ترجمة تفسيرية ، فإنه يعمد إلى المعنى الذى يدل عليه تركيب الأصل فيفهمه ، ثم يصبه فى قالب يؤديه من اللغة الأخرى ، موافقا لمراد صاحب الأصل ، من غير أن يكلف نفسه عناء الوقوف عند كل مفرد ولا استبدال غيره به فى موضعه.
ولنضرب مثالا للترجمة بنوعيها على فرض إمكانها فى آية من الكتاب الكريم.
قال الله تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) فإنك إذا أردت ترجمتها ترجمة حرفية ؛ أتيت بكلام من لغة الترجمة ؛ يدل على النهى عن ربط اليد فى العنق وعن مدها غاية المد ، مع رعاية ترتيب الأصل ونظامه ، بأن تأتى بأداة النهى أولا ، يليها الفعل المنهى عنه متصلا بمفعوله ومضمرا فيه فاعله ، وهكذا .. ولكن هذا التعبير الجديد قد يخرج فى أسلوب غير معروف ولا مألوف فى تفهيم المترجم هم ما يرمى إليه الأصل من النهى عن التقتير والتبذير. بل قد يستنكر المترجم لهم هذا الوضع الذى صيغ به هذا النهى ويقولون : ما باله ينهى عن ربط اليد بالعنق وعن مدها غاية المد؟! وقد يلصقون هذا العيب بالأصل ظلما ، وما العيب إلا فيما يزعمونه ترجمة للقرآن من هذا النوع.
أما إذا أردت ترجمة هذا النظم الكريم ترجمة تفسيرية ، فإنك بعد أن تفهم المراد وهو النهى عن التقتير والتبذير فى أبشع صورة منفرة منها ، تعمد إلى هذه الترجمة فتأتى منها بعبارة تدل على هذا النهى المراد ، فى أسلوب يترك فى نفس المترجم لهم أكبر الأثر فى استبشاع التقتير والتبذير. ولا عليك من عدم رعاية الأصل فى نظمه وترتيبه اللفظى.
وإنما قلنا عند عرض هذا المثال : «على فرض إمكانها» لما ستعرفه بعد من استحالة الترجمة بهذا المعنى العرفى فى القرآن الكريم. والمثال لا يشترط صحته كما هو معلوم.