وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ). والجواب أنه لا مستند لهم فى الآية الكريمة ، بل هى ترد عليهم كما ردت على أشباههم ممن عابوا النسخ على النبى صلىاللهعليهوسلم.
ومعناها أن الله يغير ما شاء من شرائعه وخلقه ، على وفق علمه وإرادته وحكمته ، وعلمه سبحانه لا يتغير ولا يتبدل ، إنما التغير فى المعلوم لا فى العلم. بدليل قوله : (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) أى وعنده المرجع الثابت الذى لا محو فيه ولا إثبات ، وإنما يقع المحو والإثبات على وفقه ، فيمحو سبحانه شريعة ويثبت مكانها أخرى ، ويمحو حكما ويثبت آخر ، ويمحو مرضا ويثبت صحة ، ويمحو فقرا ويثبت غنى ، ويمحو حياة ويثبت موتا. وهكذا تعمل يد الله فى خلقه وتشريعاته تغييرا وتبديلا ، وهو الحق وحده لا يعروه تغيير ولا تبديل ، ولا يتطرق إلى علمه محو ولا إثبات.
وخلاصة هذا التوجيه أن النسخ تبديل فى المعلوم لا فى العلم ، وتغيير فى المخلوق لا فى الخالق ، وكشف لنا وبيان عن بعض ما سبق به علم الله القديم المحيط بكل شىء. ولهذا ذهب كثير من علمائنا إلى تعريف النسخ بأنه بيان انتهاء الحكم الشرعى الذى تقرر فى أوهامنا استمراره بطريق التراخى. ثم قالوا توجيها لهذا الاختيار : إن فى هذا التعريف دفعا ظاهرا للبداء ، وتقريرا لكون النسخ تبديلا فى حقنا ، بيانا محضا فى حق صاحب الشرع.
(الأمر الثانى) أنهم تشبثوا بآثار نسبوها إلى أئمة طاهرين. منها ان عليا ـ كرم الله وجهه ـ كان يقول : لو لا البداء لحدثتكم بما هو كائن إلى يوم القيامة ومنها أن جعفر الصادق رضى الله عنه قال : ما بدا الله تعالى فى شىء كما بدا له فى إسماعيل. ومنها أن موسى بن جعفر : قال «البداء ديننا ودين آبائنا فى الجاهلية»
. وندفع هذا بأنها مفتريات وأكاذيب ، كان أول من حاك شباكها الكذاب الثقفى الذى كان ينتحل لنفسه العصمة وعلم الغيب ، فإذا ما افتضح أمره وكذبته الأيام قال : (إن الله وعدنى ذلك غير أنه بدا له). فإذا أوجس فى نفسه