(ثانيا) أن الفرق بعيد بين ظروف محمد صلىاللهعليهوسلم التى جاء فيها بالقرآن وظروف سولون التى وضع فيها القانون. وهذا الفرق البعيد له مدخل كبير فى إثبات هذا الوجه من الإعجاز بالنسبة إلى محمد صلىاللهعليهوسلم دون سولون : فمحمد كان أميا نشأ فى الأميين ، أما سولون فكان فيلسوفا نشأ بين فلاسفة ومتعلمين ، بل هو أحد الفلاسفة السبعة الذين كان يشار إليهم بالبنان فى القرن السابع قبل الميلاد المسيحى ...
ومحمد صلىاللهعليهوسلم لم يتقلد قبل القرآن أعمالا إدارية ولا عسكرية ، بل جاءه القرآن بعد أن حببت إليه الخلوة والعزلة ، أما سولون فقد تولى قبل وضعه القانون أعمالا إدارية وعسكرية ، وانتخب فى عام ٥٩٤ قبل الميلاد (أرجونا) أى رئيسا على الأمة بإجماع أحزابها ، وقلدوه سلطة مطلقة ليغير ما شاء من نظم البلاد وقانونها الذى وضعه (زراكوت) من قبله. فوضع لهم نظاما جديدا أقرته الأمة حكومة وشعبا وقررت اتباعه والعمل به عشر سنين.
فهل يجوز حتى فى عقول المغفلين أن تقام موازنة ويصاغ قياس مع هذه المفارقات الهائلة بين محمد الأمى الناشئ فى الأميين ، وسولون الفيلسوف والحاكم والقائد والزعيم والناشئ فى أعظم أمة من أمم الحكمة والحضارة؟! :
(ثالثا) أين ذلك القانون الذى وضعه أو عدله سولون؟ وما أثره وما مبلغ نجاحه؟
بجانب قانون القرآن الجامع ودستوره الخالد وأثره البارز ونجاحه المعجز! ثم ما قيمة قانون وضع تحت تأثير تلك الظروف ومات وأصبح فى خبر كان ، بجانب القرآن الذى جاء فى ظروف مضادة جعلته معجزة بل معجزات ، ثم حى حياة دائمة لا مؤقتة ، ولا يزال يزداد مع مرور العصور والقرون جدة وحياة وثباتا واستقرارا ، حتى أصبح كثير من الأمم المتحضرة تستمد منه ، وقررت مؤتمرات دولية اعتباره مصدرا من مصادر القانون المقارن فى هذا العصر ، إلى غير ذلك مما أشرنا إليه قبلا؟!.