رجل بهذه البشارة التى يزفها ، ثم ينصب نفسه أستاذا لصاحبها الذى سيأخذ عن الله ، ويتلقى من جبريل ويكون هو أستاذ الأستاذين ، وهادى الهداة والمرشدين!. وإلا كان هذا الراهب متناقضا مع نفسه.
(رابعا) أن بحيرا الراهب لو كان مصدر هذا الفيض الإسلامى المعجز ، لكان هو الأحرى بالنبوة والرسالة والانتداب لهذا الأمر العظيم.
(خامسا) أنه يستحيل فى مجرى العادة أن يتم إنسان على وجه الأرض تعليمه وثقافته ، ثم ينضج النضج الخارق للمعهود فيما تعلم وتثقف ، بحيث يصبح أستاذ العالم كله ، لمجرد أنه لقى مصادفة واتفاقا راهبا من الرهبان مرتين. على حين أن هذا التلميذ كان فى كلتا المرتين مشتغلا عن التعليم بالتجارة ، وكان أميا لا يعرف القراءة والكتابة ، وكان صغيرا تابعا لعمه فى المرة الأولى ، وكان حاملا لأمانة ثقيلة فى عنقه لا بد أن يؤديها كاملة فى المرة الثانية ؛ وهى أمانة العمل والإخلاص فى مال خديجة وتجارتها.
(سادسا) أن طبيعة الدين الذى ينتمى إليه الراهب بحيرا ، تأبى أن تكون مصدرا للقرآن وهداياته. خصوصا بعد أن أصاب ذلك الدين ما أصابه من تغيير وتحريف.
وحسبك أدلة على ذلك ما أقمناه من المقارنات السابقة بين تعاليم القرآن وتعاليم غيره. وما قررناه من الوفاء فى تعاليم القرآن دون غيره ، وما أشرنا إليه من أن القرآن قد صور علوم أهل الكتاب فى زمانه بأنها الجهالات ثم تصدى لتصحيحها. وصور عقائدهم بأنها الضلالات ثم عمل على تقويمها. وصور أعمالهم بأنها المخازى والمنكرات ثم حض على تركها. فارجع إلى ما أسلفناه ، ثم تذكر أن فاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه ، وأن الخطأ لا يمكن أن يكون مصدرا للصواب ، وأن الظلام لا يمكن أن يكون مشرقا للنور.
(سابعا) أن أصحاب هذه الشبهة من الملاحدة يقولون : إن القرآن هو الأثر التاريخى