لا أن تحمل على الإيمان والإذعان ، وتدفع إلى العمل بوحى هذا الإيمان وإذا فرض أن يؤمن بها أصحاب الاستعداد السليم ، فإيمانهم مجرد حينئذ من قوة الدفع ودفعة التحويل. ولا سبيل فى العادة إلى التأثير بها على الجماهير ونجاحها فيهم نجاحا عاما إلا بأمرين : أحدهما تربية الأحداث وترويضهم عليها علما وعملا من عهد الطفولة. والآخر قوة حاكمة تحمل الكبار على احترامها حملا بالقوة والقهر ، ومع هذا وذاك ، فتربية الصغار على هذا الغرار هيهات أن تكون تربية استقلالية ؛ بل هى تقليدية تفقد الدليل والبرهان ، وكذلك إجبار الكبار هيهات أن يصل إلى موضع الإذعان والوجدان!.
لكن القرآن الكريم وحده ، هو الذى نفخ الإيمان فى الكبار والصغار نفخا ، وبثه روحا عاما ، وأشعر النفوس بما جاء فيه إشعارا ، ودفعها إلى التخلى عن موروثاتها ومقدساتها جملة ، وحملها على التحلى بهديه الكريم علما وعملا ، على حين أن الذى أتى بهذا القرآن رجل أمى لا دولة له ولا سلطان ، ولا حكومة ولا جند ، ولا اضطهاد ولا إجبار ، إنما هو الاقتناع والرغبة والرضا والإذعان ، (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ). أما السيف ومشروعية الجهاد فى الإسلام ، فلم يكن لأجل تقرير عقيدة فى نفس ، ولا لإكراه شخص أو جماعة على عبادة ، ولكن لدفع أصحاب السيوف عن إذلاله واضطهاده ، وحملهم على أن يتركوا دعوة الحق حرة طليقة ، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله.
هذا الأساس الذى وضعه القرآن وحده هو سر نهضته ، وإن شئت فقل هو نار ثورته ، بل هو نور هدايته ، والروح السارى لإحياء العالم بدعوته ، وذلك عن طريق أسلوبه المعجز الذى هز النفوس والمشاعر ، وملك القلوب والعقول ، وكان له من السلطان ما جعل أعداءه منذ نزله إلى اليوم ، يخشون بأسه وصولته ، ويخافون تأثيره وعمله ، أكثر مما يخافون الجيوش الفاتحة والحروب الجائحة ، لأن سلطان الجيوش والحروب لا يعدو هياكل