يبدله ، فلم يفعل ، وما ذاك إلا لأن القرآن ليس كلامه ، بل هو خارج عن طوقه ، آت من فوقه ، ولو كان كلامه لاستطاع أن يأتى بغيره وأن يبدله حين اقترحوا عليه ، وحينئذ يكتسب أنصارا إلى أنصاره ، ويضم أعوانا إلى أعوانه ، ويكون ذلك أروج لدعوته التى يحرص على نجاحها ، لكنه أعلن عجزه عن إجابة هذه المقترحات وأبدى مخاوفه إن هو أقدم على هذا الذى سألوه ، وتنصل من نسبة القرآن إليه مع أنه الفخر كل الفخر ، وألقمهم حجرا فى أفواههم بتلك الحجة التى أقامها عليهم ، وهى أنه نشأ فيهم لا يعرف ولا يعرفون عنه ذلك الذى جاء به وهو القرآن.
اقرأ ـ إن شئت ـ هاتين الآيتين من سورة يونس : وقال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدّله. قل ما يكون لى أن أبدله من تلقاء نفسى. إن أتبع إلّا ما يوحى إلى. إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم* قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون؟ والمعنى : أن القرآن فوق طاقتى وليس من مقدورى ، وما أنا إلا ناقل له أتبع ما يوحى إلى منه. وإنى أخاف سطوة صاحب هذا الكتاب إذا أنا تلاعبت بنصوصه أو غيرت فيه. فالقرآن كلامه ، ولو أراد ألا أكون رسولا بينه وبينكم ، ما كانت لى حيلة إلى أن أتلو هذا الكتاب عليكم وتأخذوه عنى ، فقد نشأت بينكم ومكثت أكثر من أربعين سنة قبل نزوله ـ وهو عمر طويل ـ وأنتم لا تعرفون منى هذا الاستعداد الأعلى ، ولا تسمعون منى مطلقا مثل هذا الكلام المعجز ، ولم تأخذوا على قط أنى كذبت مرة على عبد من عباد الله ، فكيف أكذب على الله بعد هذا العمر الطويل؟ (أفلا تعقلون)؟ يا لها كلمة فيها من لذعة التعنيف والتخجيل بمقدار ما فيها من لفت النظر إلى قوة الدليل!!