يبدو له فى إصلاحه. ولكن ذلك لا يكون إلا إذا فهم الكافة سداد هذا الرأى وعملوا به. عند ذاك يوجد فى المجتمع ميل جديد للتحول عن الجهة التى يراد تحويله منها ، إلى الوجهة التى يريده على أن يكون عليها. وهذا كله مصداق لقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) فمعنى الآية أن الأمة التى تريد أن يحول الله عنها حالا لا ترضاه لمجتمعها ، يجب عليها أن تغير من نفسيتها أو لا فإن فعلت حول الله عنها ما تكره ، ووجه إليها من نعمه ما تحب. وهذا وحده معجزة علمية للقرآن كان يجب أن يعقد لها فصل خاص ، وأن يشاد بذكرها أعظم إشادة! فكشف هذا السر يجعلنا ندرك سر تنبيه القرآن على وجوب الدعوة إلى المعروف والنهى عن المنكر ـ وبعد أن ساق أدلة عن الكتاب والسنة على ذلك قال :
القرآن أثبت أن للاجتماع نواميس ثابتة قبل أن يتخيلها أعلم علماء الأرض تخيلا وقد رأيت أن تعيين تلك النواميس والتحسس مما خفى منها هو الشغل الشاغل اليوم لفلاسفة الاجتماع. فقال تعالى : (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً). وقال تعالى (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ، فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً ، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً). (سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ. وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً).
ولم يكتف الكتاب بهذا وحده. ولكنه قرر أيضا أن الجماعات كالآحاد ، لها آجال لا تستطيع أن تتعداها. وهو ما هدى إليه علم الاجتماع بعد أن وجد أن وجوه الشبه بين الفرد والمجتمع واحدة ، فقال تعالى : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ، فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ). وقد تكرر مثلها فى سور كثيرة من القرآن الكريم.
فالذى يتأمل فى سبق القرآن الكريم العالم كله أكثر من عشرة قرون فى وضع أصول العلم الاجتماعى ، ويكون من غير أهل هذا الدين ، يدهش كل الدهش ، ولا يكاد يصدق عينيه. وسندأب نحن من جهتنا على تجلية الأصول العلمية مستخرجين إياها من