(هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ). فأنت ترى فى هذه الآية الكريمة أن المشرك مع معبوديه ، مثله مثل عبد اشترك فيه شركاء متنازعون مختلفون ، كل واحد منهم يدعى أنه عبده ، فهم يتجاذبونه ويتعاورونه فى أعمال شتى ، وهو متحير متعب مجهود لا يدرى أيهم يرضى بخدمته؟ وعلى أيهم يعتمد فى حاجاته؟ ولا يدرى ممن يطلب رزقه وممن يلتمس رفقه؟. فهمه شعاع ، وقلبه أوزاع. أما المؤمن فمثله مثل عبد له سيد واحد ، فهمه واحد وقلبه مجتمع وضميره مستريح وعمله مريح. (أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ؟)!.
وإن أردت مثالا ثانيا فاستمع إلى القرآن وهو يقول فى فريضة الصلاة : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً* إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً. إِلَّا الْمُصَلِّينَ) الخ. وقوله (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
وإن أردت أمثلة أخرى فاقرأ قوله سبحانه فى فرض الزكاة : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها). وفى فرض الصيام : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). وفى فرض الحج : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ) الخ. وفى عموم الإيمان والعمل الصالح ، (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ).
(سابعها) ترتيبه الأوامر والنواهى ترتيبا يسع جميع الناس ، على تفاوت استعدادهم ومواهبهم. فالأوامر الدينية درجات : هذا إيمان ، وهذا إسلام ، وهذا ركن ، وهذا فرض وهذا واجب ، وهذا مندوب مؤكد ، وهذا مندوب غير مؤكد. والمناهى كذلك درجات :
هذا نفاق ، وهذا شرك ، وهذا كفر ، وهذه كبيرة وهذه صغيرة ، وهذا مكروه تحريما ، وهذا مكروه تنزيها .. وما وراء هذه الأوامر والنواهى فمباحات ، لكل أن يأخذ وأن يدع منها ما شاء.