(وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ، ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها). وعاب على اليهود خيانتهم وظلمهم للشعوب فقال : (وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ. وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ* بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ* إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ ، وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ، وَلا يُزَكِّيهِمْ ، وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ). وقال : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا). وقال : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) .. إلى غير ذلك من آيات كثيرة فى هذه المواضيع.
والذى نريد أن تفطن له هنا ، هو أن هداية القرآن كما رأيت هداية تمة عامة ، صححت معارف الفلاسفة المكبين على البحث والنظر كما صححت معارف الأميين ومن لا ينتمى إلى العلم بسبب. وصححت أغلاط أهل الكتاب من يهود ونصارى ، كما صححت أغلاط مؤلهة الحجر وعبدة الوثن. وإذن فليس يصح فى الأذهان شىء إذا قيل إن هذه الهدايات القرآنية ليست وحيا من الله ، وإنما هى نابعة من نفس محمد الأمى الناشئ فى الأميين. وليس يصح فى الأذهان شىء إذا قيل إنه صلىاللهعليهوسلم قد استقى هذه الهدايات من بعض أهل الكتاب الذين لقيهم فى الجزيرة العربية ، ولو صح هذا لكانوا هم أولى منه بدعوى الرسالة والنبوة. وكيف يصح هذا والقرآن هو الذى علمهم ما جهلوا من حقائق دينهم؟ وهل فاقد الشيء يعطيه؟. وحسبك ما قدمناه لك من تلك الأمثلة التى تتصل بأساس الأديان وصميم العقائد ، والتى تريك بالمنظار المكبر أن القرآن جالس على كرسى الأستاذية العليا للعالم كله يعلم اليهود والنصارى وغير اليهود والنصارى ، لا على مقعد التلمذة الدنيا يتلقف من هؤلاء وهؤلاء.