واحد من الشعر يكون رائعا فى مدحها ، ويضعها بيت يكون لاذعا فى ذمها. ولقد كان هؤلاء العرب يعرفون نبى الإسلام ويعرفون مقدرته الكلامية من قبل أن يوحى إليه ، فلم يخطر ببال منصف منهم أن يقول : إن هذا القرآن كلام محمد ، وذلك لما يرى من المفارقات الواضحة بين لغة القرآن ولغة الرسول عليه الصلاة والسلام.
يضاف إلى هذا أنه لم يعرف فى نشأته بينهم بالخطابة ولا بالكتابة ولا بالشعر ، ولم يؤثر أنه شاركهم فى معارضهم وأسواقهم العامة التى كانوا يقيمونها للتسابق فى البيان. بل كان مقبلا على شأنه. زاهدا فى الظهور ميالا إلى العزلة. وكل ما اشتهر به قبل النبوة أنه كان صادقا لم يجربوا عليه كذبا ، أمينا ما خان أبدا ، ميمون النقيبة عالى الأخلاق علوا ممتازا!. فهل يعقل أن رجلا سلخ عهد شبابه وكهولته على هذا النمط ، يجيء فى سن الشيخوخة فينافس العالم كله ويتحداه بشيء من لدنه ، وهو الذى ما نافس أحدا قبل ذلك ولا تحداه ، بل كان من خلقه الحياء والتواضع وعدم الاستطالة على خلق الله؟. ثم هل يتصور أن هذا الإنسان الكامل يتورع عن الكذب على الناس فى صباه وشبابه وكهولته ، ثم يجيء فى سن الشيخوخة فيكذب أفظع الكذب على الله؟ (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ؟).
ألا إن وجود القرآن كلاما متلوا لم ينقص كلمة ولا حرفا ، لرحمة واسعة من الله بعباده لم تتسن لأى كتاب فى أمة ، غير هذا الكتاب الذى يهل الظامئون من بحره الروى فى كل عصر ، ويأوى المنصفون إلى هديه الربانى فى كل مصر ، ويكتسب بما فيه من سمات الألوهية أتباعا فى كل أفق ، مصداقا لقوله سبحانه : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) ولقوله صلىاللهعليهوسلم «ما من نبى من الأنبياء إلا أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما