قائلا : «أين أنا من فلان وفلان» كلا ، فرب صغير مفضول قد فطن إلى ما لم يفطن له الكبير الفاضل ، ألا ترى إلى قصة ابن عمر فى الأحجية المشهورة (١) فجد فى الطلب (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) فعسى الله أن يفتح لك بابا من الفهم تكشف به شيئا مما عمى على غيرك ـ والله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النّور.
ولنضرب لك مثلا قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ).
أكثر أهل العلم قد ترادفت كلمتهم على زيادة الكاف بل على وجوب زيادتها فى هذه الجملة ، فرارا من المحال العقلى الذى يفضى إليه بقاؤها على معناها الأصلى من التشبيه ؛ إذ رأوا أنها حينئذ تكون نافية التشبيه عن مثل الله ، فتكون تسليما بثبوت المثل له سبحانه :
أو على الأقل. محتملة لثبوته وانتفائه ، لأن السالبة كما يقول علماء المنطق تصدق بعدم الموضوع ، أو لأن النفى ـ كما يقول علماء النحو ـ قد يوجه (٢) إلى المقيد وقيده جميعا. تقول :
ليس لفلان ولد يعاونه ، إذا لم يكن له ولد قط ، أو كان له ولد لا يعاونه. وتقول (ليس محمد أخا لعلى) إذا كان أخا لغير على أو لم يكن أخا لأحد. وقليل منهم من ذهب إلى أنه لا بأس ببقائها على أصلها ، إذ رأى أنها لا تؤدى إلى ذلك المحال لا نصا ولا احتمالا ، لأن نفى مثل
__________________
(١) قرأ النبى صلىاللهعليهوسلم قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ الآية) ٢٤ من سورة إبراهيم «١٤» وقال : «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها ، وإنها لمثل المسلم. فحدثونى ما هى؟» فخفى على القوم علمها ، وجعلوا يذكرون أنواعا من شجر البادية. وفهم ابن عمر أنها النخلة ، وكان عاشر عشرة هو أحدثهم سنا ، وفيهم أبو بكر وعمر. فقال صلىاللهعليهوسلم : «هى النخلة») الحديث رواه الشيخان. وفى القرآن : (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) الآية ٧٩ من سورة الأنبياء «٢١».
(٢) لعل تمام الكلام : أو لأن النفى ـ كما يقول علماء النحو ـ قد يوجّه إلى القيد وحده وقد يوجه إلى المقيد وقيده جميعا الخ.