فيه الحرمة فإن نفى الجناح عنه يصدق بوجوبه ، نحو (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما).
٦ ـ وإنكار تحريمه فى صورة استفهام ، نحو (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ؟).
٧ ـ والامتنان بالشىء ووصفه بأنه رزق حسن ، نحو (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً).
وهكذا تجد القرآن يفتنّ فى أداء المعنى الواحد بألفاظ وطرق متعددة ، بين إنشاء وإخبار ، وإظهار وإضمار ، وتكلم وغيبة وخطاب ومضى وحضور واستقبال ، واسمية وفعلية ، واستفهام وامتنان ، ووصف ، ووعد ووعيد إلى غير ذلك. ومن عجب أنه فى تحويله الكلام من نمط إلى نمط. كثيرا ما تجده سريعا لا يجارى فى سرعته. ثم هو على هذه السرعة الخارقة لا يمشى مكبا على وجهه ، مضطربا أو متعثرا ، بل هو محتفظ دائما بمكانته العليا من البلاغة ، (يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
ولقد خلع هذا التصرف والافتنان ، لباسا فضفاضا من الجدّة والروعة على القرآن ، ومسحه بطابع من الحلاوة والطلاوة ، حتى لا يمل قارئه ، ولا يسأم سامعه ، مهما كثرت القراءة والسماع. بل ينتقل كل منهما من لون إلى لون ؛ كما ينتقل الطائر فى روضة غناء من فنن إلى فنن ؛ ومن زهر إلى زهر.
واعلم أن تصريف القول فى القرآن على هذا النحو ؛ كان فنا من فنون إعجازه الأسلوبى كما ترى ، وكان فى الوقت نفسه منة يمنها الله على الناس ؛ ليستفيدوا عن طريقها كثرة النظر فى القرآن والإقبال عليه قراءة وسماعا ؛ وتدبرا وعملا ، وأنه لا عذر معها لمن أهمل هذه النعمة وسفه نفسه. اقرأ إن شئت قوله سبحانه : فى سورة الإسراء. (وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ؛ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً)