ومن ثم قال الراسخون فى العلم : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا ، وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) فخضعوا لباريهم لاستنزال العلم اللدنى بعد أن استعاذوا به من الزيغ النفسانى) اه.
(خامستها) ما ذكره الفخر الرازى أيضا بقوله : (لو كان ـ أى القرآن ـ كله محكما بالكلية ، لما كان مطابقا إلا لمذهب واحد. وكان بصريحه مبطلا لجميع المذاهب المخالفة له. وذلك منفر لأرباب المذاهب الأخرى عن النظر فيه ، أما وجود المتشابه والمحكم فيه فيطمع كل ذى مذهب أن يجد فيه كل ما يؤيد مذهبه. فيضطر إلى النظر فيه ، وقد يتخلص المبطل عن باطله ، إذا أمعن فيه النظر ، فيصل إلى الحق).
يضاف إلى هذه الحكم الخمس ما ذكرناه عند الكلام على فواتح السور ودفع الشبهات عنها بالجزء الأول من هذا الكتاب (ص ٢١٩ ـ ٢٣٠) بالطبعة الثانية.
(وأما النوع الثانى والثالث من المتشابهات) فتلوح لنا فى ذكره واشتمال القرآن عليه حكم خمس أيضا.
(أولها) تحقيق إعجاز القرآن ، لأن كل ما استتبع فيه شيئا من الخفاء المؤدى إلى التشابه ، له مدخل عظيم فى بلاغته وبلوغه الطرف الأعلى فى البيان. ولو أخذنا فى شرح هذا لضاق بنا المقام ، وخرجنا جملة من هذا الميدان. إلى ميدان علوم البلاغة وما حوت من خواص وأسرار ، للإيجاز والإطناب والمساواة ، والتقديم والتأخير ، والذكر والحذف ، والحقيقة والمجاز ، ونحو ذلك.