أما أنه أمره بالذبح فيرشد إليه :
(أولا) قول إبراهيم لولده : (إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى؟) لأن رؤيا الأنبياء حق من ناحية ، ولأن مفاوضة إبراهيم لولده فى هذا الأمر الجلل ، تدل على أن هذا أمر لا بد منه من ناحية أخرى ، وإلا لما فاوضه تلك المفاوضة الخطيرة المزعجة التى هى أول مراحل السعى إلى التنفيذ.
(ثانيا) أن إسماعيل أجاب أباه بإعلان خضوعه وامتثاله لأمر ربه (قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ. سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ).
(ثالثا) أن إبراهيم اتخذ سبيله إلى مباشرة الأسباب القريبة للذبح ، حيث أسلم ولده ، وأسلم إسماعيل نفسه (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ)
(رابعا) أن الله ناداه بأنه قد صدّق الرؤيا ، أى فعل فعل من صدقها وحققها. ولو لم يكن هذا أمرا من الله واجب الطاعة ، ما مدحه الله على تصديقه لرؤياه ، وسعيه إلى تحقيق ما أمره مولاه!
(خامسا) أن الله فدى إبراهيم بذبح عظيم. فلو لم يكن ذبح إسماعيل مطلوبا ؛ لما كان ثمة داع يدعو إلى الفداء.
(سادسا) أن الله امتدح إبراهيم بأنه من المؤمنين ومن المحسنين المستحقين لإكرام الله إياه بالفرج بعد الشدة ، وقرر سبحانه أن هذا هو البلاء المبين ، وكافأه بأنه ترك عليه فى الآخرين «سلام على إبراهيم». وكل ذلك يدل على أن الله أمره فأطاع ، وابتلاه أشد الابتلاء فاستسلم وانصاع.
وأما أن الله نسخ هذا الأمر قبل تمكن إبراهيم من امتثاله ، فيرشد إليه محاولة إبراهيم للتنفيذ بالخطوات التى خطاها والمحاولات التى حاولها ، وهى مفاوضة ولده حتى يستوثق منه أو يتخذ إجراء آخر ، ثم استسلامهما بالفعل لحادث الذبح ؛ وصرعه فلذة كبده وقرة عينه على جبينه كما يضع السكين ويذبحه كما أمره رب العالمين. ولكن جاء النداء بالفداء قبل التمكن