أمر ظاهر لا يتأثر بمرور الزمن ، ولا
يختلف باختلاف الأشخاص والأمم ، حتى يتناولها النسخ بالتبديل والتغيير.
وأما أصول العبادات والمعاملات فلوضوح
حاجة الخلق إليهما باستمرار ، لتزكية النفوس وتطهيرها ولتنظيم علاقة المخلوق
بالخالق والخلق على أساسهما فلا يظهر وجه من وجوه الحكمة فى رفعها بالنسخ.
وأما مدلولات الأخبار المحضة فلأن نسخها
يؤدى إلى كذب الشارع فى أحد خبريه الناسخ والمنسوخ. وهو محال عقلا ونقلا. أما عقلا
فلأن الكذب نقص ، والنقص عليه تعالى محال. وأما نقلا فلمثل قوله سبحانه : (وَمَنْ
أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً).
نعم إن نسخ لفظ الخبر دون مدلوله جائز
بإجماع من قالوا بالنسخ ولذلك صورتان : إحداهما أن تنزل الآية مخبرة عن شىء ثم
تنسخ تلاوتها فقط. والأخرى أن يأمرنا الشارع بالتحدث عن شىء ثم ينهانا أن نتحدث
به.
وأما الخبر الذى ليس محضا. بأن كان فى
معنى الإنشاء ، ودل على أمر أو نهى متصلين بأحكام فرعية عملية ، فلا نزاع فى جواز
نسخه والنسخ بة ، لأن العبرة بالمعنى لا باللفظ.
مثال الخبر بمعنى الأمر قوله تعالى : (تَزْرَعُونَ
سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً)
فإن معناه ازرعوا.
ومثال الخبر بمعنى النهى قوله سبحانه : (الزَّانِي
لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ، وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها
إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ)
فإن معناه لا تنكحوا مشركة ولا زانية (بفتح التاء) ولا تنكحوهما (بضم التاء) ، لكن
على بعض وجوه الاحتمالات دون بعض.
والفرق بين أصول العبادات والمعاملات
وبين فروعها ، أن فروعها هى ما تعلق بالهيئات والأشكال والأمكنة والأزمنة والعدد ،
أو هى كمياتها وكيفياتها. وأما أصولها فهى ذوات العبادات والمعاملات بقطع النظر عن
الكم والكيف.