وهو نسخ الحكم دون التلاوة ، فإنه وحده هو الذى يترتب عليه وجود متروك العمل فى القرآن. أما نسخ التلاوة مع الحكم أو مع بقائه ، فلا تدل الآية على امتناعه بهذا التأويل.
(ثانيها) أن معنى الباطل فى الآية ما خالف الحق ، والنسخ حق. ومعنى الآية أن عقائد القرآن موافقة للعقل ، وأحكامه مسايرة للحكمة ، وأخباره مطابقة للواقع وألفاظه محفوظة من التغيير والتبديل ، ولا يمكن أن يتطرق إلى ساحته الخطأ بأى حال ، (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ، وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ). وبالحقّ أنزلناه وبالحقّ نزل».
ولعلك تدرك معى أن تفسير الآية بهذا المعنى ، يجعلها أقرب إلى إثبات النسخ ووقوعه ، منها إلى نفيه وامتناعه ، لأن النسخ ـ كما قررنا ـ تصرف إلهى حكيم ، تقتضيه الحكمة ، وترتبط به المصلحة.
(ثالثها) أن أبا مسلم على فرض أن خلافه مع الجمهور لفظى لا يعدو حدود التسمية ، نأخذ عليه أنه أساء الأدب مع الله ، فى تحمسه لرأى قائم على تحاشى لفظ اختاره ـ جلت حكمته ـ ودافع عن معناه بمثل قوله : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها). وهل بعد اختيار الله اختيار؟ وهل بعد تعبير القرآن تعبير؟ (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا. إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).
(رابعها) أن هناك فروقا بين النسخ والتخصيص ، وقد فصلناها فيما سبق ، فارجع إليها إن شئت ، حتى تعلم شطط صاحبنا فيما ذهب إليه. جنبنا الله الشطط وطريق العوج.
ملاحظة
تشيع لأبى مسلم بعض الباحثين من قدامى ومحدثين ، وحطبوا فى حبله قليلا أو كثيرا.
وذاعت شبهات حديثة فاسدة حول تشريع الإسلام للنسخ ، ولكنها لا تخرج عند