يسمّيه «حقائق علميّة» ممّا ينتهي إليه بطريق التجربة القاطعة في نظره!
إنّ الحقائق القرآنيّة حقائق نهائيّة قاطعة مطلقة ، أمّا ما يصل إليه البحث الإنساني ـ أيّا كانت الأدوات المتاحة له ـ فهي حقائق غير نهائيّة ولا قاطعة ، وهي مقيّدة بحدود تجاربه وظروف هذه التجارب وأدواتها. فمن الخطأ المنهجيّ ـ بحكم المنهج العلميّ الإنسانيّ ذاته ـ أن نعلّق الحقائق النهائيّة القرآنيّة بحقائق غير نهائيّة ، وهي كلّ ما يصل إليه العلم البشريّ!
هذا بالقياس إلى «الحقائق العلميّة». والأمر أوضح بالقياس إلى النظريّات والفروض الّتي تسمّى «علميّة». ومن هذه النظريّات والفروض كلّ النظريّات الفلكيّة ، وكلّ النظريّات الخاصّة بنشأة الإنسان وأطواره ، وكلّ النظريّات الخاصّة بنفس الإنسان وسلوكه. وكلّ النظريّات الخاصّة بنشأة المجتمعات وأطوارها. فهذه كلّها ليست «حقائق علميّة» حتّى بالقياس الإنساني ، وإنّما هي نظريّات وفروض ؛ كلّ قيمتها أنّها تصلح لتفسير أكبر قدر من الظواهر الكونيّة أو الحيويّة أو النفسيّة أو الاجتماعيّة ، إلى أن يظهر فرض آخر يفسّر قدرا أكبر من الظواهر ، أو يفسّر تلك الظواهر تفسيرا أدقّ! ومن ثمّ فهي قابلة دائما للتغيير والتعديل والنقص والإضافة ، بل قابلة لأن تنقلب رأسا على عقب ، بظهور أداة كشف جديدة ، أو تفسير جديد لمجموعة الملاحظات القديمة!
وكلّ محاولة لتعليق الإشارات القرآنيّة العامّة ، بما يصل إليه العلم من نظريّات متجدّدة متغيّرة ـ أو حتّى بحقائق علميّة ليست مطلقة كما أسلفنا ـ تحتوي أوّلا على خطأ منهجيّ أساسيّ ، كما أنّها تنطوي على معان ثلاثة كلّها لا يليق بجلال القرآن الكريم.
الأولى : هي الهزيمة الداخليّة الّتي تخيّل لبعض الناس أنّ العلم هو المهيمن والقرآن تابع. ومن هنا يحاولون تثبيت القرآن بالعلم ، أو الاستدلال له من العلم! على حين أنّ القرآن كتاب كامل في موضوعه ، ونهائيّ في حقائقه. والعلم ما يزال موضوعه ينقض اليوم ما أثبته بالأمس ، وكلّ ما يصل إليه غير نهائيّ ولا مطلق ، لأنّه مقيّد بوسط الإنسان وعقله وأدواته ، وكلّها ليس من طبيعتها أن تعطي حقيقة واحدة نهائيّة مطلقة.
والثانية : سوء فهم طبيعة القرآن ووظيفته. وهي أنّه حقيقة نهائيّة مطلقة تعالج بناء الإنسان بناء يتّفق ـ بقدر ما تسمح طبيعة الإنسان النسبيّة ـ مع طبيعة هذا الوجود وناموسه الإلهيّ. حتّى لا يصطدم الإنسان بالكون من حوله ، بل يصادقه ويعرف بعض أسراره ، ويستخدم بعض نواميسه