وهذه الخيانة تتمثّل في الهواتف الحبيسة ، والرغبات المكبوتة ، أو تتمثّل في الفعل ذاته ، وقد ورد أنّ بعضهم أتاه (١). وفي كلتا الحالتين لقد تاب عليهم وعفا عنهم ، مذ ظهر ضعفهم وعلمه الله منهم. فأباح لهم ما كانوا يختانون فيه أنفسهم :
(فَالْآنَ) وبعد هذا البلاغ (بَاشِرُوهُنَّ).
ولكن هذه الإباحة لا تمضى دون أن تربط بالله ، ودون توجيه النفوس في هذا النشاط لله أيضا :
(وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) وليكن ابتغاؤكم ـ وراء رغبة المباشرة ـ استهداف الآثار والنتائج الّتي أرادها الله من وراء تلكم الظواهر الطبيعيّة الفطرية الّتي جبل الإنسان عليها.
إنّ من وراء عطاياه ـ سبحانه ـ حكمة ، ولها في حسابه غاية. فليست إذن مجرّد اندفاع حيوانيّ موصول بالجسد ، منفصل عن ذلك الأفق الأعلى الّذي ينبغي أن يتّجه إليه كلّ نشاط.
قال سيّد قطب : بهذا ترتبط المباشرة بين الزوجين ، بغاية هي أكبر من أنفسهما ، وأفق أرفع من الأرض ومن لحظة اللّذة بينهما. وبهذا تنظّف هذه العلامة وترقّ وترقى. قال : ومن مراجعة مثل هذه الإيحاءات في التوجيه القرآني وفي التصوّر الإسلاميّ ، ندرك قيمة الجهد المثمر الحكيم الّذي يبذل لترقية هذه البشريّة وتطويرها ، في حدود فطرتها وطاقاتها وطبيعة تكوينها.
قال : وهذا هو النهج الإسلامي للتربية والاستعلاء والنماء. المنهج الصادر من يد الخالق ، وهو أعلم بمن خلق وبما خلق ، وهو اللطيف الخبير (٢).
***
وكما أباح المباشرة أباح الطعام والشراب في الفترة ذاتها :
(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ). أي حتّى ينتشر النور المنبسط على الأفق. وليس هو بدوّ بياض ، صعدا في كبد السماء ، لم يلبث أن يزول ، وهو ما يسمّى بالفجر الكاذب.
ثمّ يذكر حكم المباشرة في فترة الاعتكاف في المساجد. والاعتكاف : التحبّس في مكان واللبث فيه. والغاية منه : الخلوة مع الله في المساجد ، وعدم الخروج إلّا لضرورة قضاء الحاجة ، ويستحبّ في رمضان في الأيّام الأخيرة. وكانت سنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في العشر الأخير منه ، وهي
__________________
(١) الطبري ٢ : ٢٢٥ / ٢٤١٢ وما بعده.
(٢) في ظلال القرآن ١ : ٢٥٠.