الإفضاء.
وقال ـ في قوله تعالى : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ) ـ : يحتمل أن يكون نهيا عن تعاطي الجماع ، وأن يكون نهيا عن الحديث في ذلك ، إذ هو من دواعيه (١).
وقد وقع أنّ بعضهم لم يجد طعاما حاضرا عند أهله بعد الإفطار ، فانتظر ليحضروا له فغلبه النوم ، ثمّ صحا فلم يحلّ له الطعام والشراب ، فواصل. ثمّ جهد في النهار التالي ، وبلغ أمره إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم (٢).
كما وقع أنّ بعضهم نام بعد الإفطار أو نامت امرأته ، ثمّ وجد في نفسه دفعة للمباشرة ففعل وبلغ أمره إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم (٣) ، وبدت المشقّة في أخذ المسلمين بهذا التكليف ، فردّهم الله إلى اليسر وتجربتهم حاضرة في نفوسهم ، ليحسّوا بقيمة اليسر وبمدى الرحمة والاستجابة.
ونزلت هذه الآية لتحلّ لهم المباشرة ما بين المغرب والفجر :
(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ). والرفث ـ كما قلنا ـ مقدّمات المباشرة أو المباشرة ذاتها ، وكلاهما مقصود هنا ومباح.
ولكن انظر إلى لطف التعبير القرآني هنا ، القرآن لا يمرّ على هذا المعنى دون لمسة حانية رفّافة ، تمنح العلاقة الزوجيّة شفّافيّة ورفقا ونداوة ، وتنأى بها عن غلظ المعنى الحيواني وعرامته ، وتوقظ معنى الستر في تيسير هذه العلاقة :
(هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ) ، واللباس ساتر وواق ، وكذلك هذه الصلة بين الزوجين ، تستر كلّا منهما وتقيه عن العرامة والفحشاء ، والإسلام الّذي يأخذ هذا الكائن الإنساني بواقعه كلّه ، ويرتضي تكوينه وفطرته كما هي ، ويأخذ بيده إلى معارج الكمال بكلّيّته ، الإسلام وهذه نظرته يلبّي دفعة الجسد الفطريّة ، وينسم عليها هذه النسمة اللطيفة الرقيقة الروحاء ، ويدثّرها بهذا الدثار اللطيف الظريف البهيج ، كلّ هذا وذاك في آن.
ويكشف لهم عن خبيئة مشاعرهم ، وهو يكشف لهم عن رحمته بالاستجابة لهواتف فطرتهم.
(عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ)
__________________
(١) المفردات : ١٩٩ ، والآية من سورة البقرة ٢ : ١٩٧.
(٢) انظر : الطبري ٢ : ٢٢٤ / ٢٤١١ فما بعده.
(٣) انظر : الطبري ٢ : ٢٢٥ / ٢٤١٣ و ٢٤١٤.