وقال قوم : الأقراء هي الحيض. ذهب إليه ـ على ما رووه ـ عليّ عليهالسلام وعمر وابن مسعود وابن عبّاس وأبو موسى. وبه قال أهل البصرة : الحسن البصري وعبيد الله بن الحسن العنبري. وبه قال الأوزاعي ، وأهل الكوفة والثوري وابن شبرمة وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمّد وإسحاق.
وحكي عن أحمد أنّه قال : الأظهر عندي قول زيد : إنّها الأطهار (١).
***
وبعد فإذ قد عرفت اتّفاق أهل اللغة على أنّ القرء هو الوقت المحدّد ، المتناسب مع إطلاقه على الحيضة وهي محدّدة موقوتة ، لا الطهر ، الّذي هو على الأصل الثابت بالذات ، من غير توقيت ولا تحديد ، وعرفت آراء جلّ الصحابة والتابعين على أنّ الأقراء هي الحيض ، وإن اختلفت آراء الفقهاء من بعدهم ، وربّما كانت كفّة الترجيح مع القول بالحيض.
فالآن وقد جاء دور عرض الروايات المأثورة عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وصحابته وعن الأئمّة من ذرّيّته عليهمالسلام ليعرف الحقيقة المفسّر بها الآية الكريمة ، على الوجه الصحيح ، وإليك :
[٢ / ٦٦٢٦] أخرج أحمد عن يحيى بن أبي بكير قال : حدّثنا إسرائيل عن عثمان بن سعد عن عبد الله بن أبي مليكة قال : حدّثتني خالتي فاطمة بنت أبي حبيش ، قالت : أتيت عائشة فقلت لها : يا أمّ المؤمنين ، قد خشيت أن لا يكون لي حظّ في الإسلام ، وأن أكون من أهل النار ، أمكث ما شاء الله من يوم استحاض فلا أصلّي لله ـ عزوجل ـ صلاة! قالت : اجلسي حتّى يجيء النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فلمّا جاء النبيّ قالت : يا رسول الله ، هذه فاطمة بنت أبي حبيش تخشى أن لا يكون لها حظّ في الإسلام وأن تكون من أهل النار تمكث ما شاء الله من يوم تستحاض فلا تصلّي لله ـ عزوجل ـ صلاة! فقال : «مري فاطمة بنت أبي حبيش ، فلتمسك كلّ شهر عدد أيّام أقرائها ، ثمّ تغتسل وتحتشي وتستثفر وتنظّف ، ثمّ تطهّر عند كلّ صلاة ، وتصلّي ، فإنّما ذلك ركضة من الشيطان أو عرق انقطع أو داء عرض لها» (٢).
[٢ / ٦٦٢٧] وهكذا أخرج أبو داوود وابن ماجة وأحمد أيضا بالإسناد عن عروة بن الزبير أنّ فاطمة بنت أبي حبيش حدّثته أنّها سألت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فشكت إليه الدم ، فقال لها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّما ذلك عرق ، فانظري إذا أتى قرؤك فلا تصلّي فإذا مرّ قرؤك فتطهّري ثمّ صلّي ما بين القرء إلى القرء» (٣).
__________________
(١) الخلاف ٥ : ٥٤ ـ ٥٥.
(٢) مسند أحمد ٦ : ٤٦٤.
(٣) أبو داوود ١ : ٦٩ / ٢٨٠ ؛ مسند أحمد ٦ : ٤٢٠ ؛ ابن ماجة ١ : ٢٠٣ / ٦٢٠ ، باب ١١٥.