وقال الشاعر :
كرهت العقر عقر بني شليل |
|
إذا هبّت لقارئها الرياح |
يعني لوقتها في الشتاء.
وقال آخرون : هو الضمّ والتأليف ، ومنه قوله :
تريك إذا دخلت على خلاء |
|
وقد أمنت عيون الكاشحينا |
ذراعي عيطل أدماء بكر |
|
هجان اللون لم تقرأ جنينا |
يعني لم تضمّ في رحمها جنينا.
ومنه قولهم : قريت الماء في الحوض ، إذا جمعته. وقروت الأرض ، إذا جمعت شيئا إلى شيء وسيرا إلى سير. ويقولون : ما قرأت الناقة سلى قطّ ، أي ما اجتمع رحمها على ولد قطّ. ومنه أقرأت النجوم ، إذا اجتمعت في الأفق.
ويقال : أقرأت المرأة ، إذا حاضت ، فهي مقرئ. ذكره الأصمعي والكسائي والفرّاء.
وحكي عن بعضهم (١) أنّه قال : هو الخروج من شيء إلى شيء! وهذا قول ليس عليه شاهد من اللّغة ، ولا هو ثابت عمّن يوثق به من أهلها ، وليس فيما ذكرنا من الشواهد ما يليق بهذا المعنى ، فهو ساقط مردود!
قال الجصّاص (٢) : إن كانت حقيقة القرء الوقت ، فالحيض أولى به ، لأنّ الوقت إنّما يكون وقتا لما يحدث فيه ، والحيض هو الحادث ، وليس الطهر شيئا أكثر من عدم الحيض ، وليس هو (عدم الحيض) شيء حادث ، فوجب أن يكون الحيض أولى بمعنى الاسم!
قال : وإن كان هو الضمّ والتأليف ، فالحيض أولى به ، لأنّ دم الحيض إنّما يتألّف ويجتمع من سائر أجزاء البدن في حال الحيض.
قال : فإذن ، القرء اسم للدم ، وليس باسم للطهر ، ولكنّه لا يسمّى بهذا الاسم إلّا بعد ظهوره ، إذ لا يتعلّق به حكم إلّا في هذه الحال.
قال : على أنّه لا يقين أنّ الدم يتكوّن حيضا في الرحم حال الطهر ، إذ لا سبيل إلى العلم بذلك! والدم لا يكون حيضا ولا يسمّى بذلك ـ كما لا يتعلّق به حكم ـ إلّا بعد السيلان ، لا عند كونه محتبسا
__________________
(١) وقد مرّ عليك أنّه اختيار الراغب!
(٢) وضع يده على نكتة دقيقة ، نبّهنا عليها ، وهو البيت القصيد.