وهناك لمّة من أحاديث مأثورة عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم تنبؤك عن إرادة الحيض من الأقراء. وفيها الكفاية لمعرفة معاني اللغة الأصيلة. وسنورد الأحاديث تباعا.
وبحقّ قال أبو بكر الجصّاص : إنّ لغة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّ القرء الحيض ، فوجب أن لا يكون معنى الآية إلّا محمولا عليه ؛ أنّ القرآن نزل بلغته ـ لسان قومه ـ وهو المبيّن عن الله ـ عزوجل ـ مراد الألفاظ المحتملة للمعاني (١).
نعم إذا كان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم هو الّذي فسّر الأقراء هنا وفي سائر كلامه بالحيض ، فلا محالة يجب اتّباعه ولا محيد عنه ، بعد أن كان القرآن نزل بلسانه ولسان قومه. وفي الأثر : نزل القرآن بلغة قريش (٢).
وإليك الآن ما ورد عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بشأن الأقراء وأنّها الحيض :
[٢ / ٦٦١٦] قال أبو بكر أحمد بن عليّ الرازي الجصّاص : اختلف السلف في المراد بالقرء هنا في الآية. فقال عليّ عليهالسلام وعمر وعبد الله بن مسعود وابن عبّاس وأبو موسى : هو الحيض ، وقالوا : «هو أحقّ بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة».
[٢ / ٦٦١٧] وروى وكيع عن عيسى الحافظ عن الشعبي عن ثلاثة عشر رجلا من أصحاب محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم الحبر (٣) فالحبر منهم ، أبو بكر وعمر وعليّ عليهالسلام وابن مسعود وابن عبّاس وأبو الدرداء وعبد الله بن الصامت وعبد الله بن قيس (٤) ، قالوا : «الرجل أحقّ بامرأته ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة» ؛ وهو قول سعيد بن جبير وسعيد بن المسيّب.
[٢ / ٦٦١٨] وقال عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وعائشة : إذا دخلت في الحيضة الثالثة فلا سبيل له عليها. قالت عائشة : الأقراء الأطهار.
[٢ / ٦٦١٩] وروي عن ابن عبّاس رواية أخرى : أنّها إذا دخلت في الحيضة الثالثة فلا سبيل له عليها ولا تحلّ للأزواج حتّى تغتسل (٥).
قال الجصّاص : وقال أصحابنا جميعا : الأقراء الحيض. وهو قول الثوري والأوزاعي والحسن
__________________
(١) أحكام القرآن ١ : ٣٦٦.
(٢) راجع : البخاري ٤ : ١٥٦ ، و ٦ : ٩٧.
(٣) الحبر ، بالحاء المهملة : العالم النحرير.
(٤) الزيادة من المبسوط للرخسي حسبما يأتي.
(٥) وهذا مبنيّ على الاحتياط جمعا بين القولين.