وهم : الوالدان والأقربون ، ثمّ اليتامى والمساكين وأبناء السبيل.
وهذا يربط بين طوائف من الناس ، بعضهم تربطه بالمنفق رابطة الرحم ، وبعضهم رابطة العصب ، وبعضهم رابطة الرحمة ، وبعضهم رابطة الإنسانيّة الكبرى.
ولكن هذا الترتيب في الآية وفي آيات أخرى ، والّذي تزيده بعض الأحاديث تحديدا ووضوحا.
[٢ / ٥٩٧٤] كالّذي رواه مسلم في الصحيح عن جابر عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لرجل : «ابدأ بنفسك فتصدّق عليها ، فإن فضل شيء فلأهلك ، فإن فضل شيء عن أهلك فلذي قرابتك ، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا. يقول : فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك» (١).
هذا الترتيب يشيء بمنهج الإسلام الحكيم البسيط في تربية النفس الإنسانيّة وقيادتها. إنّه يأخذ الإنسان كما هو ، بفطرته وميوله الطبيعيّة واستعداداته ، ثمّ يسير به من حيث هو كائن ، ومن حيث هو واقف ، يسير به خطوة خطوة ، صعدا في المرتقى العالي : على هيّنة وفي يسر ، فيصعد وهو مستريح ، وهو يلبّي فطرته وميوله واستعداداته ، وهو ينمي الحياة معه ويرقيها ، لا يحسّ بالجهد والرهق ، ولا يكبل بالسلاسل والأغلال ليجرّ في المرتقى ، ولا تكبت طاقاته وميوله الفطريّة ليحلّق ويرفّ ، ولا يعتسف به الطريق اعتسافا ، ولا يطير به طيرانا من فوق الآكام ، إنّما يصعدها به صعودا هيّنا ليّنا ، وقدماه على الأرض وبصره معلّق بالسماء ، وقلبه يتطلّع إلى الأفق الأعلى ، وروحه موصولة بالله في علاه.
قال سيّد قطب : ولقد علم الله أنّ الإنسان يحبّ ذاته ، فأمره أوّلا بكفايتها (٢) ، قبل أن يأمره بالإنفاق على من سواها ، وأباح له الطيّبات من الرزق وحثّه على تمتيع ذاته في غير ترف ولا مخيلة. فالصدقة لا تبدأ إلّا بعد الكفاية.
[٢ / ٥٩٧٥] والرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «خير الصدقة ، ما كان عن غنى ، واليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول» (٣).
__________________
(١) مسلم ٣ : ٧٩. باب البدأة بالنفس في الإنفاق ثمّ الأهل ثمّ القرابة.
(٢) حسبما ورد في الحديث النبويّ الآنف.
(٣) مسلم ٣ : ٩٤.