فإن قال لنا قائل : فأيّ هذين الفريقين دعي إلى الإسلام كافّة؟
قيل : قد اختلف في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : دعي إليه المؤمنون بمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وما جاء به. وقال آخرون : قيل : دعي إليه المؤمنون بمن قبل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم من الأنبياء ، المكذّبون بمحمّد.
فإن قال : فما وجه دعاء المؤمن بمحمّد وبما جاء به إلى الإسلام؟ قيل : وجه دعائه إلى ذلك الأمر له بالعمل بجميع شرائعه ، وإقامة جميع أحكامه وحدوده ، دون تضييع بعضه والعمل ببعضه. وإذا كان ذلك معناه ، كان قوله «كافّة» من صفة السلم ، ويكون تأويله : ادخلوا في العمل بجميع معاني السلم ، ولا تضيّعوا شيئا منه يا أهل الإيمان بمحمّد وما جاء به! (١)
[٢ / ٥٨٧٩] وعن عاصم الأحول عن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «مثل الإسلام كمثل الشجرة الثابتة ، الإيمان بالله أصلها ، الصلوات الخمس جذوعها ، وصيام شهر رمضان لحاؤها ، الحجّ والعمرة جناها ، والوضوء وغسل الجنابة شربها ، وبرّ الوالدين وصلة الرحم غصونها ، والكفّ عمّا حرّم الله ورقها ، والأعمال الصالحة ثمرها ، وذكر الله تعالى عروقها». قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «كما لا تحسن الشجرة ولا تصلح إلّا بالورق الأخضر ، كذلك الإسلام لا يصلح إلّا بالكفّ عن محارم الله تعالى والأعمال الصالحة» (٢).
[٢ / ٥٨٨٠] وروى مسلم بالإسناد إلى أبي هريرة عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «والّذي نفس محمّد بيده ، لا يسمع بي أحد من هذه الأمّة (٣) يهوديّ ولا نصرانيّ ثمّ يموت ولم يؤمن بالّذي أرسلت به إلّا كان من أصحاب النار» (٤).
[٢ / ٥٨٨١] وقال حذيفة بن اليمان في هذه الآية : الإسلام ثمانية أسهم ؛ الصلاة سهم ، والزكاة سهم ، والصوم سهم ، والحجّ سهم ، والعمرة سهم ، والجهاد سهم ، والأمر بالمعروف سهم ، والنهي عن المنكر سهم ؛ وقد خاب من لا سهم له في الإسلام! (٥)
__________________
(١) الطبري ٢ : ٤٤١ ـ ٤٤٢.
(٢) الثعلبي ٢ : ١٢٧ / ١٠٤ ؛ أبو الفتوح ٣ : ١٦٤.
(٣) يقصد بهم أمّة الناس وجماعتهم.
(٤) مسلم ١ : ٩٣ ، كتاب الإيمان ؛ كنز العمّال ١ : ٧٢ / ٢٨٠ ؛ مجمع البيان ٥ : ٢٥٦.
(٥) الثعلبي ٢ : ١٢٦ ـ ١٢٧ ؛ البغوي ١ : ٢٦٧ ـ ٢٦٨ ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ٤ : ٦٠٠ / ٥ ، باب ٢ ، وليس فيه : «والعمرة سهم» ؛ القرطبي ٣ : ٢٣ ؛ أبو الفتوح ٣ : ١٦٤.