المجتمع الّذي يقوم على الشورى والنصح والتعاون. كما يقوم على المساواة والعدالة الصارمة الّتي يشعر معها كلّ أحد أنّ حقّه منوط بحكم شريعة الله ، لا بإرادة حاكم ، ولا هوى حاشية ، ولا قرابة كبير.
وفي النهاية المجتمع الوحيد بين سائر المجتمعات البشرية ، الّذي لا يخضع البشر فيه للبشر. إنّما يخضعون حاكمين ومحكومين لله ولشريعته ؛ وينفّذون حاكمين ومحكومين حكم الله وشريعته. فيقف الجميع على قدم المساواة الحقيقيّة أمام الله ربّ العالمين وأحكم الحاكمين ، في طمأنينة وفي ثقة وفي يقين.
هذه كلّها بعض معاني السلم الّذي تشير إليه الآية وتدعو الّذين آمنوا للدخول فيه كافّة. ليسلموا أنفسهم كلّها لله ؛ فلا يعود لهم منها شيء ، ولا يعود لنفوسهم من ذاتها حظّ ؛ إنّما تعود كلّها لله في طواعيّة وفي انقياد وفي تسليم.
ولا يدرك معنى هذا السلم حقّ إدراكه من لا يعلم كيف تنطلق الحيرة وكيف يعربد القلق في النفوس الّتي لا تطمئنّ بالإيمان ، في المجتمعات الّتي لا تعرف الإسلام ، أو الّتي عرفته ثمّ تنكّرت له ، وارتدّت إلى الجاهليّة ، تحت عنوان من شتّى العنوانات في جميع الأزمان. هذه المجتمعات الشقيّة الحائرة على الرغم من كلّ ما قد يتوافر لها من الرخاء المادّي والتقدّم الحضاري ، وسائر مقوّمات الرقي في عرف الجاهليّة الضالّة التصوّرات المختلّة الموازين.
وحسبنا مثل واحد ممّا يقع في بلد أروبّي من أرقى بلاد العالم كلّه وهو «السويد». حيث يخصّ الفرد الواحد من الدخل القومي ما يساوي خمسمائة جنيه في العام. وحيث يستحقّ كلّ فرد نصيبه من التأمين الصحّي وإعانات المرض الّتي تصرف نقدا والعلاج المجّاني في المستشفيات. وحيث التعليم في جميع مراحله بالمجّان ، مع تقديم إعانات ملابس وقروض للطلبة المتفوّقين وحيث تقدّم الدولة حوالي ثلاثمائة جنيه إعانة زواج لتأثيث البيوت. وحيث وحيث من ذلك الرخاء الماديّ والحضاري العجيب.
ولكن ماذا؟ ماذا وراء هذا الرخاء المادّي والحضاري وخلوّ القلوب من الإيمان بالله؟
إنّه شعب مهدّد بالانقراض ، فالنسل في تناقص مطّرد بسبب فوضى الاختلاط! والطلاق