قال : وهل يفرّق بين العامد والناسي في الأمرين معا ، فيكون الناسي متّقيا ، أم في النساء فقط ، إذ لا شيء على الناسي لو جامع ، بخلاف قتل الصيد سهوا ، أم لا يعدّ متّقيا فيهما؟ أوجه. ولم أظفر بذلك في كلام الأصحاب! (١)
قلت : والأوجه ، الاقتصار على المتعمّد القاصد في فعل المحرّم (من فروض الحجّ وتروكه) ، والّتي فيها كفّارة العمد عصيانا. وذلك وقوفا مع تعبير «الاتّقاء» في الآية ؛ إذ لا اتّقاء في غير معصية. فالمستظلّ لضرورة ، يفدي من غير معصية. وكذا لا معصية ولا فداء في مقاربة النساء سهوا أو جهلا. وكذا في الطيب والادّهان ونحو ذلك. وأكثر المحرّمات لا كفّارة فيها ، كما لا دليل قاطعا على اعتبار الاتّقاء منها ، إلّا بضرب من الاحتياط. والأحوط الاقتصار على موضع اليقين ، وهو ما صدق عليه التورّط في حرام وعدم الاتّقاء من عصيان عارم. وتفصيل الكلام فيه موكول إلى مجاله في الفقه.
***
وقد اختلف سائر الفقهاء والمفسّرين في المراد من الآية ، ولا سيّما بالنظر إلى قوله تعالى : (لِمَنِ اتَّقى) ، ماذا يكون موضع هذا القيد؟
قال أبو عبد الله القرطبي : واللّام من قوله : (لِمَنِ اتَّقى) متعلّقة بالغفران ، التقدير : المغفرة لمن اتّقى. وهذا على تفسير ابن مسعود وعليّ.
[٢ / ٥٧٧٦] قال قتادة : ذكر لنا أنّ ابن مسعود قال : إنّما جعلت المغفرة لمن اتّقى ، بعد انصرافه من الحجّ ، عن جميع المعاصي.
وقال الأخفش : التقدير : ذلك لمن اتّقى.
وقال بعضهم : لمن اتّقى ، يعني قتل الصيد في الإحرام وفي الحرم.
وقيل : التقدير : الإباحة لمن اتّقى. روي هذا عن ابن عمر.
وقيل : السلامة لمن اتّقى.
وقيل : هي متعلّقة بالذكر الّذي في قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا ...) أي الذكر لمن اتّقى (٢).
__________________
(١) جامع المقاصد ٣ : ٢٦٢ ـ ٢٦٣. راجع : جواهر الكلام ٢٠ : ٣٦ ـ ٤١.
(٢) القرطبي ٣ : ١٤. وهكذا تراه ذكر الاختلاف ولم يرجّح شيئا.