قال الزمخشري : قوله : (لِمَنِ اتَّقى) أي ذلك التخيير ونفي الإثم عن المتعجّل والمتأخّر ، لأجل الحاجّ المتّقي (١) ، لئلّا يتخالج في قلبه شيء منهما (٢) فيحسب أنّ أحدهما يرهق صاحبه آثام في الإقدام عليه ، لأنّ ذا التقوى حذر متحذّر من كلّ ما يريبه ، ولأنّه هو الحاجّ على الحقيقة عند الله (٣).
[٢ / ٥٧٥٣] وهكذا روي عن عبد الله بن عمر ، أنّ تلك الإباحة ـ أي الترخيص في التعجلّ ـ لمن اتّقى.
[٢ / ٥٧٥٤] وذكر النحّاس أنّ عبد الله بن عمر قال : أبيح ذا التعجيل لمن اتّقى. قال : فالتقدير على هذا : الإباحة لمن اتّقى (٤).
وهكذا قال القرطبي : التقدير : الإباحة لمن اتّقى. روي ذلك عن ابن عمر (٥).
[٢ / ٥٧٥٥] وأخرج الفريابي وابن جرير عن ابن عمر قال : أحلّ النفر في يومين لمن اتّقى (٦).
قال أبو جعفر الطبري ـ بعد أن ذكر مختلف الأقوال ـ : وأولى هذه الأقوال بالصحّة قول من قال : إن كان قد اتّقى الله في حجّه ؛ فاجتنب فيه ما أمره الله باجتنابه ، وفعل فيه ما أمره الله بفعله ، وأطاعه بأدائه على ما كلّفه من حدوده. فلا إثم عليه.
فمن تعجّل في يومين من أيّام منى الثلاثة ، فنفر في اليوم الثاني .. ومن تأخّر إلى اليوم الثالث منهنّ ، فلا إثم عليه ، لا في التعجّل ولا في التأخّر ، إن كان اتّقى الله في حجّه بأدائه بحدوده.
قال : وإنّما قلنا إنّ ذلك أولى التأويلات ، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
[٢ / ٥٧٥٦] أنّه قال : «من حجّ هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه». وغيره من الأخبار ، ممّا ينبؤك : أنّ من حجّ فقضاه (أي أدّاه) بحدوده على ما أمره الله ، فهو خارج من ذنوبه ، كما قال الله ـ جلّ ثناؤه ـ : (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى) الله في حجّه (٧).
لكنّه أطلق عدم التأثّم ، بإرادة غفران الذنوب جميعا ، لمن أدّى الحجّ والعمرة بتمام. ومن غير أن يكون مرتبطا بأمر التعجّل والتأخّر. وهذا خلاف ظاهر السياق والمناسبة القائمة بين أجزاء
__________________
(١) أي بشأنه بالذّات.
(٢) بأن يتوهّم الإثم في أيّ منهما.
(٣) الكشّاف ١ : ٢٥٠.
(٤) معاني القرآن للنحّاس ١ : ١٤٦ / ٧٢.
(٥) القرطبي ٣ : ١٤.
(٦) الدرّ ١ : ٥٦٦ ؛ الطبري ٢ : ٤١٨ / ٣١١٤.
(٧) الطبري ٢ : ٤٢١ ـ ٤٢٢.