ترك؟ وقالت الملائكة : ما قدّم؟ لله آباؤكم! فقدّموا بعضا يكن لكم قرضا ، ولا تخلفوا كلّا فيكون عليكم فرضا» (١).
[٢ / ٥٦٠٥] وقال عليهالسلام : «ألا وإنّ هذه الدنيا الّتي أصبحتم تتمنّونها وترغبون فيها ، وأصبحت تغضبكم وترضيكم ، ليست بداركم ولا منزلكم الّذي خلقتم له ولا الّذي دعيتم إليه. ألا وإنّها ليست بباقية لكم ولا تبقون عليها ، وهي إن غرّتكم منها فقد حذّرتكم شرّها ، فدعوا غرورها لتحذيرها ، وأطماعها لتخويفها. وسابقوا فيها إلى الدار الّتي دعيتم إليها ، وانصرفوا بقلوبكم عنها ، ولا يخنّنّ أحدكم خنين الأمة على ما زوي عنه منها. (٢) واستتمّوا نعمة الله عليكم بالصبر على طاعة الله ، والمحافظة على ما استحفظكم من كتابه. ألا وإنّه لا يضرّكم تضييع شيء من دنياكم بعد حفظكم قائمة دينكم. أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلى الحقّ ، وألهمنا وإيّاكم الصبر» (٣).
نعم ، الدنيا مزرعة الآخرة ، وغدا الحصاد. ولا يصلح الحصاد إذا لم يصلح الزرع.
[٢ / ٥٦٠٦] وفي الديوان المنسوب إلى الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام :
ربّ فتى دنياه موفورة |
|
ليس له من بعدها آخرة |
وآخر دنياه مذمومة |
|
تتبعها آخرة فاخرة |
وآخر فاز بكلتيهما |
|
قد جمع الدنيا مع الآخرة |
وآخر يحرم كلتيهما |
|
ليس له دنيا ولا آخرة |
[٢ / ٥٦٠٧] وفي رواية أخرى :
وواحد دنياه محمودة |
|
ليس له من بعدها آخرة |
وواحد فاز بكلتيهما |
|
قد جمع الدنيا مع الآخرة |
وواحد من بينهم ضائع |
|
ليس له الدنيا ولا الآخرة (٤) |
والخلاصة : تظافرت الآثار الدينيّة على حسن هذه الحياة إذا اتّخذت ذريعة للتصاعد على مدارج الكمال ، وكان النظر إليها نظر الوسيلة وليست الهدف الأقصى من الحياة. بعد أن كان مصير
__________________
(١) نهج البلاغة ٢ : ١٨٣ ، الخطبة ٢٠٣.
(٢) الخنين : ضرب من البكاء يردّد به الصوت في الأنف. وزوي بمعنى نهب منها.
(٣) نهج البلاغة ٢ : ٨٧ ـ ٨٨ ، الخطبة ١٧٣.
(٤) الديوان : ١٩٩.