[٢ / ٥٥٠٦] كما روي عن ابن عبّاس أنّه كان محرما ، فأخذ بذنب ناقة من الرّكاب وهو يقول :
وهنّ يمشين بنا هميسا |
|
إن تصدق الطّير ننك لميسا |
فقيل له ـ والقائل أبو العالية (١) ـ : يا أبا العبّاس ، أتقول الرّفث وأنت محرم؟! وفي رواية : أترفث وأنت محرم؟! فقال : إنّما الرفث ما ووجه به النساء (٢). فرأى ابن عبّاس الرّفث الّذي نهى الله عنه ما خوطبت به المرأة ، فأمّا أن يرفث في كلامه ولا تسمع امرأة رفثه ، فغير داخل في قوله : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ)(٣).
والجدال : المناقشة والمشادّة في الجدل حتّى يغضب الرجل صاحبه.
والفسوق : إتيان المعاصي كبرت أم صغرت (٤). والنهي عنها كناية عن ترك ما ينافي حالة التحرّج والتجرّد لله ، في هذه الفترة الجليلة. والارتفاع عن دواعي الأرض ، إلى حيث مناهل رضوان الله. وهذا تأدّب جميل حيث العبد في فناء رحمة ربّه المتعال.
وبعد الانتهاء عن فعل القبيح ، ينبغي السباق إلى كلّ فعل جميل : (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ) ، سواء أسرّ به العبد أم جهر به ، وقد أراد به وجه الله.
ثمّ يدعوهم إلى التزوّد في رحلة الحجّ ، زاد الجسد وزاد الروح. (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ). والتقوى زاد القلوب والأرواح ، وبها تزداد هيمنة وصلاحا لبلوغ الرضوان ، فهو خير زاد يتزوّد به العباد. وأولو الألباب هم أوّل من يدرك هذه الحقيقة ويدرك ضرورة التوجيه إلى التقوى ، وأنّهم خير من ينتفع بهذا الزاد الفخيم. وسيأتي مزيد توضيح لهذه الآية وفي المقصود من التقوى هنا.
__________________
(١) في رواية الطبري ٢ : ٣٦٠.
(٢) حسبما جاء في صحاح الجوهري ١ : ٢٨٣ ـ ٢٨٤.
(٣) لسان العرب ٢ : ١٥٣ ـ ١٥٤.
(٤) وسيأتي عن عكرمة : أن لا صغيرة في معصية الله. (الطبري ٢ : ٣٦٧). وهو الصحيح من اختيارنا : أنّ المعاصى كلّها كبائر ، غير أنّها تتفاوت ، والصغر والكبر نسبيّان. أمّا كون معصية صغيرة بذاتها ، فلا. راجع ما سجّلناه بهذا الصدد في ملحق كتاب القضاء للأستاذ الكبير ضياء الدين العراقيّ. (شرح التبصرة : ٣٢٤).