لتستقلّ كلّ فقرة ببيان الحكم الّذي تستهدفه.
والفقرة الأولى في الآية تتضمّن الأمر بإتمام الحجّ والعمرة وتجريد التوجّه بهما لله وحده لا شريك له ، لا مفاخر الأنساب ولا مواضع الأحساب.
(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) وفي ذلك إيحاء بوجوب الإكمال متى بدأ بهما وأهلّ لهما أي أحرم ولبّى ، فلا يجوز تركهما في الأثناء ، حتّى ولو كان بدأ بهما عن استحباب.
[٢ / ٥٣٣٩] أخرج ابن جرير عن ابن وهب قال : قال ابن زيد : ليست العمرة واجبة على أحد من الناس! فقلت له : قول الله تعالى : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)؟ قال : ليس من الخلق أحد ينبغي له إذا دخل في أمر إلّا أن يتمّه ، فإذا دخل فيها لم ينبغ له أن يهلّ يوما أو يومين ثمّ يرجع ، كما لو صام يوما لم ينبغ له أن يفطر في نصف النهار! (١)
وهكذا قال العلّامة ابن المطهّر الحلّي رحمهالله : إذا أحرم الحاجّ ، وجب عليه إكمال ما أحرم له من حجّ أو عمرة ... (٢)
غير أنّ الوارد عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام : أنّ العمرة واجبة كالحجّ ، استنادا إلى هذه الآية ، كما ورد عنهم عليهمالسلام أنّ المراد من الإتمام : أداؤه كملا وبفرائضه تماما : (٣)
[٢ / ٥٣٤٠] كتب عمر بن أذينة إلى الإمام أبي عبد الله الصادق عليهالسلام يسأله عن مسائل ، ومنها السؤال عن قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(٤). قال : «يعني الحجّ والعمرة جميعا ، لأنّهما مفروضان». وسأله عن قول الله ـ عزوجل ـ : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) قال : «يعني بتمامهما : أداءهما ، واتّقاء ما يتّقي المحرم فيهما» (٥).
[٢ / ٥٣٤١] وروى العيّاشيّ بالإسناد إلى زرارة عنه عليهالسلام قال : «إتمامهما إذا أدّاهما ، يتّقي ما يتّقى
__________________
(١) الطبري ٢ : ٢٨٤ / ٢٦١٢ ؛ الثعلبي ٢ : ٩٧.
(٢) تذكرة الفقهاء ٨ : ٣٨٥ ، م : ٦٩٩.
(٣) قال ابن الأثير : التامّ هو الّذي يستحقّ صفة الكمال والتمام. وفي الحديث : «أعوذ بكلمات الله التامّات». إنّما وصف كلامه تعالى بالتمام ، لأنّه لا يجوز أن يكون في شيء من كلامه نقص أو عيب. (النهاية ١ : ١٩٧). لكن لا منافاة بين التفسيرين ، بعد أن كان التفسير الأوّل يعني عدم تركه ناقصا وبلا إكمال.
(٤) آل عمران ٣ : ٩٧.
(٥) الكافي ٤ : ٢٦٤ ـ ٢٦٥ / ١ ؛ الوسائل ١١ : ٧ ـ ٨.