أرض الحرم ويرجع فلا يدخل مكّة ، فإذا كان العام المقبل خرجت قريش من مكّة وأخلوا له مكّة ثلاثة أيّام. ليس مع المسلمين سلاح إلّا في غمده فرجع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ثمّ توجّه من فوره ذلك إلى خيبر ، فافتتحها في المحرّم ثمّ رجع إلى المدينة ، فلمّا كان العام المقبل ، وأحرم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصحابه بعمرة في ذي القعدة وأهدوا ثمّ أقبلوا من المدينة ، فأخلى لهم المشركون مكّة ثلاثة أيّام ، وأدخلهم الله مكّة فقضوا عمرتهم ونحروا البدن ، فأنزل الله : (الشَّهْرُ الْحَرامُ) الّذي دخلتم فيه مكّة هذا العام (بِالشَّهْرِ الْحَرامِ) يعني الّذي صدّوكم فيه العام الأوّل (١).
[٢ / ٥٢٩٧] وأخرج ابن جرير عن السدّي : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) قال : لمّا اعتمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عمرة الحديبيّة في ذي القعدة سنة ستّ من مهاجره صدّه المشركون ، وأبوا أن يتركوه ، ثمّ إنّهم صالحوه على أن يخلوا له مكّة من عام قابل ثلاثة أيّام يخرجون ويتركونه فيها ، فأتاهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد فتح خيبر من السنة السابعة ، فخلّوا له مكّة ثلاثة أيّام (٢).
[٢ / ٥٢٩٨] وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء قال : خرج النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم معتمرا في ذي القعدة معه المهاجرون والأنصار حتّى أتى الحديبيّة فخرجت إليه قريش فردّوه عن البيت حتّى كان بينهم كلام وتنازع ، حتّى كاد يكون بينهم قتال ، فبايع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أصحابه وعدّتهم ألف وخمسمائة ، تحت الشجرة ، وذلك يوم بيعة الرضوان. فقاضاهم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالت قريش نقاضيك على أن تنحر الهدي مكانه وتحلق وترجع حتّى إذا كان العام المقبل نخلّي لك مكّة ثلاثة أيّام ففعل ، فخرجوا إلى عكاظ فأقاموا فيها ثلاثة أيّام ، واشترطوا عليه أن لا يدخلها بسلاح إلّا بالسيف ، ولا يخرج بأحد من أهل مكّة إن خرج معه ، فنحر الهدي مكانه وحلق ورجع ، حتّى إذا كان في قابل من تلك الأيّام دخل مكّة وجاء بالبدن معه ، وجاء الناس معه فدخل المسجد الحرام ، فأنزل الله عليه : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ)(٣) وأنزل عليه : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) الآية (٤).
__________________
(١) تفسير مقاتل ١ : ١٦٨ ـ ١٦٩.
(٢) الطبري ٢ : ٢٦٩ ـ ٢٧٠ / ٢٥٦٧.
(٣) الفتح ٤٨ : ٢٧.
(٤) الدرّ ٧ : ٥٣٩ ، ذيل سورة الفتح ٤٨ : ٢٧ ؛ المصنّف ٨ : ٥٠٨ / ٦ ، باب ٣٠ ؛ أسباب النزول للواحدي : ٣٣ ـ ٣٤ ، عن ابن عبّاس ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣٢٨ ـ ٣٢٩ ، عن أبي العالية ؛ الثعلبي ٢ : ٩٠ ؛ الطبري ٢ : ٢٧٠.