والسّلام في الزمان ، تصان فيها الدماء والحرمات والأموال. فمن أبى أن يستظلّ غيره بهذه الواحة أو أن ينعم بفيء تلك الساحة ، وحاول حرمان المسلمين منها ، فجزاؤه أن يحرم هو منها بطريق أولى. والّذي ينتهك الحرمات لا تصان حرماته ، فالحرمات قصاص (جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها)(١).
[٢ / ٥٢٩٤] أخرج أبو داوود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عبّاس في قوله : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) وقوله : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها)(٢) وقوله : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ)(٣) وقوله : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ)(٤) قال : هذا ونحوه نزل بمكّة ، والمسلمون يومئذ قليل ، فليس لهم سلطان يقهر المشركين ، وكان المشركون يتعاطونهم بالشتم والأذى ، فأمر الله المسلمين من يتجازى منهم أن يتجازى بمثل ما أوتي إليه أو يصبر أو يعفو فهو أمثل ، فلمّا هاجر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى المدينة وأعزّ الله سلطانه أمر الله المسلمين أن ينتهوا في مظالمهم إلى سلطانهم ، ولا يعدو بعضهم على بعض كأهل الجاهليّة ، فقال : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً)(٥). يقول : ينصره السلطان حتّى ينصفه من ظالمه ، ومن انتصر لنفسه دون السلطان فهو عاص مسرف قد عمل بحميّة الجاهليّة ولم يرض بحكم الله تعالى (٦).
[٢ / ٥٢٩٥] وأخرج أحمد وابن جرير والنحّاس في ناسخه عن جابر بن عبد الله قال : لم يكن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يغزو في الشهر الحرام إلّا أن يغزى. وكان يغزو حتّى إذا حضر ذلك (أي الشهر الحرام) أقام حتّى ينسلخ (٧).
[٢ / ٥٢٩٦] وقال مقاتل بن سليمان في قوله : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ) وذلك أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والمسلمين ساروا إلى مكّة محرمين بعمرة ، ومن كان معه عام الحديبيّة ، لستّ سنين من هجرته إلى المدينة ، فصدّهم مشركو مكّة ، وأهدى أربعين بدنة ـ ويقال مائة بدنة ـ فردّوه وحبسوه شهرين لا يصل إلى البيت ، وكانت بيعة الرضوان عامئذ. فصالحهم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على أن ينحر الهدي مكانه في
__________________
(١) يونس ١٠ : ٢٧.
(٢) الشورى ٤٢ : ٤٠.
(٣) الشورى ٤٢ : ٤١.
(٤) النحل ١٦ : ١٢٦.
(٥) الإسراء ١٧ : ٣٣.
(٦) الدرّ ١ : ٤٩٨ ؛ الطبري ٢ : ٢٧٢ / ٢٥٧٣ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣٢٩ / ١٧٤٠ ؛ البيهقي ٨ : ٦١.
(٧) الدرّ ١ : ٤٩٩ ؛ مسند أحمد ٣ : ٣٤٥ ؛ الطبري ٢ : ٤٧١ / ٣٢٥٠ ، ذيل الآية ٢١٧ ؛ ابن كثير ١ : ٢٣٥.