المفلح ، ومن أتي بما لا وزن له ولا قدر فهو الخاسر. وقال ابن عباس : الموازين جمع موزون وهي الموزونات من الأعمال الصالحة التي لها وزن وقدر عند الله من قوله : (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً)(١) أي : قدرا (٢) وقيل : ميزان له لسان وكفتان يوزن به الحسنات في أحسن صورة ، والسيّئات في أقبح صورة (٣). وتقدّم ذلك في سورة الأنبياء (٤).
قوله : (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) قال ابن عباس : غبنوها بأن صارت منازلهم للمؤمنين (٥). وقيل : امتنع انتفاعهم بأنفسهم لكونهم في العذاب (٦).
قوله : (فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ) يجوز أن يكون «خالدون» خبرا ثانيا ل (أولئك) ، وأن يكون خبر (٧) مبتدأ مضمر ، أي : هم خالدون (٨). وقال الزمخشري : (فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ) بدل من (خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) ، ولا محل للبدل والمبدل منه ، لأنّ الصلة لا محل لها (٩).
قال أبو حيان : جعل (فِي جَهَنَّمَ) بدلا من (خسروا) ، وهذا بدل (١٠) غريب ، وحقيقته أن يكون البدل الفعل الذي تعلق به (فِي جَهَنَّمَ) أي : استقروا في جهنم وهو بدل شيء (١١) من شيء لأنّ من خسر نفسه استقر في جهنم (١٢). قال شهاب الدين : فجعل الشيخ الجار والمجرور البدل (١٣) دون «خالدون» ، والزمخشري جعل جميع ذلك بدلا ، بدليل قوله بعد ذلك : أو خبرا بعد خبر ، ل «أولئك» أو خبر مبتدأ محذوف (١٤). وهذان إنّما (١٥) يليقان ب «خالدون» ، وأما (فِي جَهَنَّمَ) فمتعلق به ، فيحتاج كلام الزمخشري إلى جواب ، وأيضا فيصير «خالدون» معلقا. وجوّز أبو البقاء أن يكون الموصول نعتا لاسم الإشارة (١٦) ، وفيه نظر ، إذ الظاهر كونه خبرا له (١٧).
قوله : «تلفح» يجوز استئنافه ، ويجوز حاليته ، ويجوز كونه خبرا ل «أولئك».
__________________
(١) [الكهف : ١٠٥].
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٣ ـ ١٢٤.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٤.
(٤) عند قوله تعالى : «وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ»[الأنبياء : ٤٧].
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٤.
(٦) المرجع السابق.
(٧) في ب : خبرا. وهو تحريف.
(٨) انظر الكشاف ٣ / ٥٧.
(٩) الكشاف ٣ / ٥٧.
(١٠) في ب : بدل من.
(١١) في البحر المحيط : وكأنه بدل الشيء من الشيء وهما لمسمى واحد على سبيل المجاز.
(١٢) البحر المحيط ٦ / ٤٢١ ـ ٤٢٢.
(١٣) في الأصل : والبدل.
(١٤) الكشاف ٣ / ٥٧.
(١٥) في ب : لا. وهو تحريف.
(١٦) وخبر اسم الإشارة «فِي جَهَنَّمَ». وما حكاه عن أبي البقاء غير موجود في التبيان ، وهو في البحر المحيط ٦ / ٤٢٢.
(١٧) الدر المصون ٥ / ٩٤.