المجوزون ومناقشتهم :
ما تقدم هو مذهب الجمهور : ولكن بعض المعتزلة وآخرين ، جوزوا أن يكون الإجماع ناسخا لكل حكم صلح النص ناسخا له. واستدلوا بأدلة : منها أن نصيب المؤلفة قلوبهم من الزكوات ، ثابت بصريح القرآن ، وقد نسخ بإجماع الصحابة فى زمن الصديق على إسقاطه.
ونوقش هذا بوجوه : «أولها» أن الإجماع المذكور لم يثبت ، بدليل اختلاف الأئمة المجتهدين فى سقوط نصيب هؤلاء.
«ثانيها» أن العلة فى اعتبار المؤلفة قلوبهم من مصارف الزكاة ، هى إعزاز الإسلام بهم. وفى عهد أبى بكر اعتز الإسلام فعلا ، بكثرة أتباعه واتساع رقعته ، فأصبح غير محتاج إلى إعزاز ، وسقط نصيب هؤلاء المؤلفة لسقوط علته.
«ثالثها» أنه على فرض صحة هذا الإجماع ، فإن الإجماع لا بد له من مستند.
وإذن فالناسخ هو هذا المستند ، لا الإجماع نفسه.
موقف العلماء من الناسخ والمنسوخ
العلماء فى موقفهم من الناسخ والمنسوخ يختلفون ، بين مقصر ومقتصد وغال فالمقصرون هم الذين حاولوا التخلص من النسخ إطلاقا سالكين به مسلك التأويل بالتخصيص ونحوه ، كأبى مسلم ومن وافقه. وقد بينا الرأى فى هؤلاء سابقا.
والمقتصدون هم الذين يقولون بالنسخ فى حدوده المعقولة ، فلم ينفوه إطلاقا. كم نفاه أبو مسلم وأضرابه ، ولم يتوسعوا فيه جزافا كالغالين ، بل يقفون به موقف الضرورة التى يقتضيها وجود التعارض الحقيقى بين الأدلة ، مع معرفة المتقدم منها والمتأخر.
والغالون هم الذين تزيدوا ، فأدخلوا فى النسخ ما ليس منه ، بناء على شبه ساقطة.
ومن هؤلاء أبو جعفر النحاس فى كتابه «الناسخ والمنسوخ» وهبة الله بن سلامة ،