وقد اختلف علماؤنا. فمنهم من منع نسخ القياس والنسخ به مطلقا. ومنهم من جوزه مطلقا. ومنهم من فصل. والجمهور على جواز نسخه والنسخ به إن كان قطعيا ، وعلى منعه إن كان ظنيا. والقطعى ما قطع فيه بنفى الفارق ، كقياس صب البول فى الماء الراكد على البول فيه ، فيأخذ حكمه وهو الكراهة.
أدلة المانعين مطلقا :
وقد استدل القائلون بمنع نسخ القياس مطلقا ؛ بأن نسخه يقتضى ارتفاع حكم الفرع مع بقاء حكم الأصل. وهذا لا يقبله العقل ، لأن العلة التى رتب عليها الشارع حكم الأصل موجودة فى الفرع ، وهى قاضية ببقاء الحكم فى الفرع ما دام باقيا فى الأصل.
ونوقش هذا الاستدلال بأمرين : (أحدهما) أن نسخ القياس لا يقتضى ما ذكروه ، بل يقتضى ارتفاع حكم الأصل تبعا لارتفاع حكم الفرع على معنى أن نسخ حكم الفرع يدل على أن الشارع قد ألغى العلة التى رتب عليها حكم الأصل وإلغاؤها يقتضى ارتفاع حكمه.
(والآخر) أنه لا مانع عقلا من أن ينسخ الشارع الفرع بناء على أنه اعتبر قيدا فى العلة لم يكن معتبرا من قبل. وهذا القيد موجود فى الأصل وليس موجودا فى الفرع.
هذا دليل المانعين لجواز نسخ القياس مطلقا مع مناقشته. أما الدليل على منعهم جواز النسخ به مطلقا ، فيتلخص فى أن المنسوخ به إما أن يكون نصا أو إجماعا أو قياسا. لا جائز أن يكون نصا ، لأن دلالته أقوى من دلالة القياس. والضعيف لا يرفع ما هو أقوى منه. ولا جائز أن يكون المنسوخ به إجماعا ، لأن الإجماع لا يصلح أن يكون ناسخا ولا منسوخا ، كما سيأتى تحققه. ولا جائز أن يكون قياسا ، لأنه يشترط لصحة القياس أن يسلم من المعارض المساوى له والأرجح منه ؛ وهذا القياس المتأخر مفروض أنه أرجح من الأول وإذن يتبين بظهوره بطلان القياس الأول. وإذا تبين بطلانه بطل القول بنسخه ، لأن النسخ رفع